وفي هذا الحديث فائدة هامة أغفلتها عامة كتب الفقه، ألا وهي مشروعية تبشير
الكافر بالنار إذا مر بقبره. ولا يخفى ما في هذا التشريع من إيقاظ المؤمن
وتذكيره بخطورة جرم هذا الكافر حيث ارتكب ذنبا عظيما تهون ذنوب الدنيا كلها
تجاهه ولو اجتمعت، وهو الكفر بالله عز وجل والإشراك به الذي أبان الله
تعالى عن شدة مقته إياه حين استثناه من المغفرة فقال: (إن الله لا يغفر أن
يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:
" أكبر الكبائر أن تجعل لله ندا وقد خلقك " متفق عليه.
وإن الجهل بهذه الفائدة مما أودى ببعض المسلمين إلى الوقوع في خلاف ما أراد
الشارع الحكيم منها، فإننا نعلم أن كثيرا من المسلمين يأتون بلاد الكفر لقضاء
بعض المصالح الخاصة أو العامة، فلا يكتفون بذلك حتى يقصدوا زيارة بعض قبور من
يسمونهم بعظماء الرجال من الكفار ويضعون على قبورهم الأزهار والأكاليل
ويقفون أمامها خاشعين محزونين، مما يشعر برضاهم عنهم وعدم مقتهم إياهم،
مع أن الأسوة الحسنة بالأنبياء عليهم السلام تقضي خلاف ذلك كما في هذا الحديث
الصحيح واسمع قول الله عز وجل: (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين
معه إذ قالوا لقومهم إنا برءآؤ منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا
بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا) الآية،