مكان يُسمى «الأبواء» بين «مكة» و «المدينة». وهكذا شاءت إرادة
الله أن يفقد «محمد» أمه، وهو فى هذه السن الصغيرة، وهو أشد ما
يكون احتياجًا إليها، فتضاعف عليه اليتم، ولكن للهِ فى خلقهِ حِكم لا
يعلمها إلا هو تعالى، فإن كان «محمدٌ» قد حُرِمَ من أبويه. فإن الله
هو الذى سيتولى رعايته وتعليمه.
ضم «عبد المطلب» حفيده «محمدًا» إلى كفالته؛ لأن ابنه «عبد الله» لم
يترك ثروة كبيرة، وكل ما تركه كان خمسة من الإبل، وبعضًا من
الأغنام، و «أم أيمن» (بركة) التى أصبحت حاضنة «محمد» وراعيته
بعد فقد أمه، وقد عوضته كثيرًا عن حنان الأم.
لكن كفالة «عبد المطلب» لمحمد لم تدم طويلا، إذ استمرت عامين بعد
وفاة «آمنة»، كان خلالهما نعم الأب الحنون، فحزن «محمد» على
فقده حزنًا شديدًا، وبكاه بكاءً مرا وهو يودعه إلى مثواه الأخير.
وبعد وفاة «عبد المطلب» انتقل «محمد» إلى كفالة عمه «أبى
طالب»، ومع أنه لم يكن أكثر أعمامه مالا وأوسعهم ثراءً، بل كان
أكثرهم أولادًا وأثقلهم مؤونة؛ فإنه كان شديد العطف عليه،
والرعاية له، فضمه إلى عياله، وكان يفضله عليهم فى كل شىء.
اشتغاله برعى الغنم:
لم يرض «محمدٌ» أن يكون عالة على عمّه، وبخاصة أنه يرى ضيق
ذات يده، فأراد أن يعمل ليعول نفسه، ويكسب قوته، ويساعد عمه
إن أمكن ذلك، فاشتغل برعى الأغنام، وهو عمل يناسب سنه، وهذه
كانت حرفة الأنبياء من قبله، لقول النبى - صلى الله عليه وسلم -: «ما
من نبى إلا ورعى الغنم»، قيل: وأنت يا رسول الله؟ قال: «وأنا».
رحلته الأولى إلى الشام:
وجد «محمد» فى عمه «أبى طالب» عطفًا وحنانًا عوَّضه عن فقد
جدِّه، فكان يؤثره على أولاده، ولا يكاد يردُّ له طلبًا، فلما رغب
«محمد» فى أن يصحب عمه فى رحلة إلى «الشام»، أجابه إلى ذلك،
رغم أنه كان يخشى عليه من طول الطريق، ومشقة السفر، وهو لم
يزل غلامًا صغيرًا لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره.