انطلق «محمد» مع عمه فى تلك الرحلة إلى «الشام»، وهناك حدثت له
قصة عجيبة لفتت أنظار القافلة كلها، لكنهم لم يستطيعوا لها
تفسيرًا، وذلك أن راهبًا نصرانيا، يدعى «بحيرا» كان يتعبَّد فى
صومعته فى بادية «الشام»، على طريق القوافل، ولم يكن يحفل
بأحدٍ يمرُّ عليه، لكنه فى هذه المرة نزل من صومعته لما رأى القافلة
القرشية وذهب إليهم، ودعاهم إلى طعام، وطلب منهم أن يحضروا
جميعًا ولا يتركوا أحدًا يتخلف.
ولما حضر «محمد» مع القوم سأل الراهبُ «أبا طالب»: من يكون منك
هذا الغلام؟ فقال: ابنى، فقال له: ما ينبغى لهذا الغلام أن يكون
أبوه حيا، فقال: ابن أخى، قال: صدقت. ثم رأى خاتم النبوة على
كتف النبى - صلى الله عليه وسلم -، وقال لأبى طالب: ارجع بابن أخيك
هذا فسوف يكون له شأن عظيم، واحذر عليه اليهود، فلو عرفوا منه
الذى أعرف ليمسنه منهم شر.
وقعت كلمات الراهب من «أبى طالب» موقعًا جميلا، فشكر الراهب
على هذه النصيحة الغالية التى لا تصدر إلا عن رجلٍ صالح، وعاد بابن
أخيه إلى «مكة».
رحلته الثانية إلى الشام فى تجارة خديجة:
ذهب «محمد» هذه المرة إلى «الشام» فى مهمة تجارية، لا للتنزه أو
الزيارة كما كان فى الأولى، ذلك أن «أبا طالب» رأى ابن أخيه قد
بلغ مرحلة الشباب، ولابد له من أن يتزوَّج ويعول أسرة، ولكن من
أين لمحمد بالمال؟ فقال لابن أخيه بعد أن أحسن له التدبير: «يا ابن
أخى أنا رجل لا مال لى، وقد اشتدَّ الزمانُ علينا، وقد بلغنى أن
خديجة بنت خويلد استأجرت فلانًا ببكرين (أى جملين صغيرين) ولسنا
نرضى لك بمثل ما أعطته فهل لك أن أكلمها؟» قال «محمد»: «ما
أحببتَ ياعمى».
ويكشف هذا الحوار القصير الظروف المالية الصعبة التى كان يمر بها
«أبو طالب»، لكن ذلك لم يجعله يضيق بابن أخيه، وإنما خاطبه فى
رفق وشاوره قبل أن يفاتحه فى أمر عمله مع «خديجة»، وفى
الوقت نفسه نلمس أن «محمدًا» - صلى الله عليه وسلم - كان يشعر بما