يعانيه عمه، فلم يملك إلا أن يقول له: «ما أحببتَ يا عمى».
توجه «أبو طالب» إلى «خديجة» وقال لها: «هل لك يا «خديجة» أن
تستأجرى «محمدًا»؟ فقد بلغنا أنك استأجرت فلانًا ببكرين، ولسنا
نرضى لمحمد دون أربعة». فأجابت «خديجة» بلهجة تحمل الوداد
والاحترام للشيخ الوقور: «لو سألت ذلك لبعيد بغيض فعلنا، فكيف
وقد سألتَه لقريب حبيب» (١).
خرج «محمد» فى تجارة «خديجة» يصحبه غلامها «ميسرة» وكان
صاحب خبرة فى التجارة ومعرفة بأصولها، أثيرًا لديها، تأتمنه على
مالها وتجارتها، وكانت هذه الرحلة ناجحة وموفقة كل التوفيق،
وربحت أكثر من أية مرة سابقة.
وفى طريق العودة اقترح «ميسرة» على «محمد» أن يسبقه إلى
«مكة»؛ ليكون أول من يبشر «خديجة» بعودتهما سالمين وبنجاح
تجارتها، وعندما بلغ «خديجة» الأمر سُرَّت أيما سرور، وأعجبت بما
قصَّه «ميسرة» على سمعها من شأن «محمد»، من أمانة، ورقة
شمائل، وسمو خلق، وازدادت إعجابًا لما سمعت «محمدًا»، وما لبث
هذا الإعجاب أن تحول إلى تقدير ورغبة فى الزواج.
مشاركة محمد فى الحياة العامة:
شارك «محمد» - صلى الله عليه وسلم - قومه فى حياتهم العامة قبل
البعثة، فاشترك فى «حرب الفِجَار»، وهو فى نحو الخامسة عشرة
من عمره، وهى حرب وقعت أحداثها فى الأشهر الحرم، ولذا سميت
بحرب الفجار، وسببها أن «النعمان بن المنذر» أمير «الحيرة» اعتاد
أن يرسل كل موسم قافلة تجارية إلى سوق «عكاظ» بالقرب من
«مكة» المكرمة، وكان يستأجرُ لها حراسًا من القبائل القريبة من
«مكة»، فعرض رجلان أنفسهما لهذه المهمة، أحدهما من «هوازن»
يسمى «عُروة»، والآخر من «كنانة» يسمى «البَرَّاض»، فاختار
«النعمان» «عروة»، فقتله «البراض»، فوقع القتال بين قبيلتيهما
لهذا السبب، واستمر أربع سنوات وانتهى بالصلح بين المتحاربين،
وقد وصف النبى - صلى الله عليه وسلم - مشاركته فى هذه الحرب
بقوله: «كنت أنبل على أعمامى» أى يرد إليهم نبل عدوهم إذا
رموهم بها.