سرا فى بادئ الأمر، وبدأ فى دعوة أصدقائه وأقرب الناس إليه،
ومن يأنس فيهم خيرًا واستعدادًا لقبول الحق والهُدى، فآمن به - إلى
جانب من ذكرنا - عدد من رجالات «قريش» ونسائها، وطائفة من
العبيد والفقراء والضعفاء الذين رأوا فى الدين الجديد الخلاص مما هم
فيه من شقاء وبؤس، مثل: «بلال بن رباح»، و «صهيب الرومى»،
و «آل ياسر»، وكان النبى - صلى الله عليه وسلم - يجتمع بمن أسلم
سرا فى دار «الأرقم بن أبى الأرقم» يتلو عليهم آيات القرآن الكريم،
ويعلمهم شرائع الإسلام، واستمرت هذه الدعوة السرية نحو ثلاث
سنوات، ازداد فيها عدد المسلمين زيادة يسيرة.
ويبدو أن خبر الدعوة لم يعد سرا بصورة مطلقة بالنسبة إلى
«قريش»، فقد تسرَّب إليها، لكنها لم تعبأ بهذا فى البداية، ولعلها
كانت واثقة بقوتها وقدرتها على مقاومة هذه الدعوة من ناحية،
وواثقة بأن حملها على ترك دين آبائها وأجدادها أمر صعب من ناحية
أخرى.
الجهر بالدعوة وموقف قريش:
أمر الله تعالى نبيه «محمدًا» - صلى الله عليه وسلم - أن يجهر بالدعوة
بعد مضى ثلاث سنوات من الدعوة سرا، فقال {فاصدع بما تؤمر
وأعرض عن المشركين} الحجر: ٩٤.
وقال تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من
المؤمنين فإن عصوك فقل إنى برىء مما تعملون}.
الشعراء: ٢١٤ - ٢١٦.
وامتثالا لهذا الأمر الإلهى بدأ النبى بدعوة الأقربين من أهله وعشيرته
إلى الإسلام، وصنع لهم طعامًا فى بيته، وبعد أن تناولوه، حدَّثهم
قائلا: «ما أعلم إنسانًا فى العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به،
فقد جئتكم بخيرى الدنيا والآخرة، وقد أمرنى ربى أن أدعوكم إليه،
فأيكم يؤازرنى على هذا الأمر؟» فأعرضوا عنه جميعًا، وهمُّوا بتركه
عدا «على بن أبى طالب»، وانصرفوا دون أن يستجيبوا لدعوة
النبى، غير أنهم لم يبادئوه بأذى فى أول الأمر، غير أن عداوتهم له
بدأت حين شرع فى تسفيه آلهتهم.
الجهاد فى العهد المكى: