قد يفهم بعض الناس أن المقصود بالجهاد الحرب فقط، لكنه يعنى
كثيرًا من أنواع الجهاد، فالصبر على الأذى والمكاره لا يقل أهمية
عن الجهاد بالسلاح، وقد تحمَّل النبى - صلى الله عليه وسلم - هو
وأصحابه صنوفًا من الأذى صبَّها عليهم المشركون فى الفترة المكية،
فكانوا يسبونه ويتعرضون له، ويرجمونه بالحجارة، ويلقون عليه
القاذورات، وأشهر من صنع ذلك معه: «عقبة بن أبى معيط»، و «أبو
جهل» الذى حاول قتل النبى - صلى الله عليه وسلم - عند «الكعبة».
وكان موقفهم هذا من النبى - صلى الله عليه وسلم - عنادًا له وحسدًا
من عند أنفسهم، لأنهم كانوا يعرفون أن دينه حق، وأن الذى يأتيه
وحى من السماء، ولكن حال الحسد بينهم وبين اتباعه وتصديقه.
وصبَّ المشركون جام غضبهم على المستضعفين من المسلمين،
وأذاقوهم ألوانًا من العذاب، مثل: «بلال بن رباح» الذى لم ينقذه من
العذاب إلا «أبو بكر الصديق» الذى اشتراه من سيده «أمية بن خلف»
وأعتقه، و «آل ياسر» وكانوا يُعذَّبون إذا حميت الظهيرة برمضاء
«مكة»، وكان الرسول يمر بهم ولا يملك أن يمنع عنهم العذاب،
فيقول لهم: «صبرًا آل ياسر فموعدكم الجنة»، فصبروا واحتملوا ولم
يتخلوا عن دينهم، حتى إن «أم عمار» طعنها «أبو جهل» بحربة
فقتلها وهى على إسلامها.
الهجرة إلى الحبشة:
اشتد الأذى والتعذيب بأصحاب النبى - صلى الله عليه وسلم - دون أن
يقدر على الدفاع عنهم، وكان هو فى منعة من أهله إلى حد ما، يقف
بجانبه «أبو طالب» يدفع عنه الأذى، ففكَّر لهم فى مخرج مما
يلاقونه من التعذيب، فقال لهم: «لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن
بها ملكًا لا يُظلم عنده أحد، وهى أرض صدق، حتى يجعل الله لكم
فرجًا مما أنتم فيه» فخرج بعض المسلمين إلى أرض «الحبشة» مخافة
الفتنة، وفرُّوا إلى الله بدينهم، وكانت هجرتهم أول هجرة فى
الإسلام، وبلغ عددهم عشرة رجال وأربع نسوة، منهم: «عثمان بن
عفان» وزوجته «رُقية» بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.