ثم خرجت مجموعة أخرى من المسلمين إلى «الحبشة»، كان عددها
أكبر من الأولى؛ إذ بلغوا نحوًا من ثمانين رجلا وامرأة، وظلوا مدة
طويلة فى «الحبشة»، بعد أن وجدوا الأمن والحماية من ملكها،
وعادت آخر مجموعة من هناك مع «جعفر» فى أول السنة السابعة
من الهجرة.
إسلام عمر بن الخطاب:
بعد هجرة المسلمين الأولى إلى «الحبشة» أسلم «عمر بن الخطاب»،
وكان إسلامه حدثًا كبيرًا فى «مكة»، ونصرًا عظيمًا للإسلام؛ إذ كان
من الشخصيات القوية فى «مكة»، ومن أشد أعداء المسلمين، حتى
إنه أسلم فى الوقت الذى عزم فيه على الذهاب لقتل الرسول - صلى
الله عليه وسلم -، فأراد الله به الخير، واستجاب الله لدعوة النبى الذى
كان دائمًا يردد: «اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين»، «عمر بن
الخطاب»، و «عمرو بن هشام» (أبى جهل)!
وبإسلام «عمر» قَوِى موقف المسلمين كما اشتد من قبل بإسلام
«حمزة بن عبد المطلب» عمِّ النبى - صلى الله عليه وسلم -،وأهاب
بالمسلمين أن يصلوا عند «الكعبة» تحت حمايته، فغلبت «قريش»
على أمرها، لمعرفتها بقوة شكيمة «عمر» ومضاء عزيمته، فلم
تتعرَّض لهم، وبدأت تلجأ إلى أسلوب آخر فى مواجهة الدعوة، وهو
أسلوب المقاطعة.
أسلوب المقاطعة:
استعملت «قريش» مع النبى - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أساليب
العنف والتعذيب والاضطهاد، فلم تنجح فى ردهم عن دعوتهم، فلجأت
إلى أسلوب الترغيب والمساومة، فعرضت على النبى - صلى الله عليه
وسلم - الملك والسيادة والمال، فرفض عرضهم، لأنه لم يكن طالب ملك
أو جاه، بل رسولا جاء من الله برسالة سماوية، تحمل الخير والعدل،
ولابد من تبليغها، ثم وسَّطوا «أباطالب» ليكف «محمدًا» عن تسفيه
آلهتهم فى مقابل ما يريد من ملك أو جاه، فكلمه قائلا: «إن القوم
يطلبون منك أن تكف عن سب آلهتهم، فأبق علىَّ وعلى نفسك»
فأجابه النبى بكلمات قليلة، لكنها قاطعة وحاسمة: «والله يا عم لو
وضعوا الشمس فى يمينى والقمر فى يسارى على أن أترك هذا الأمر