ما تركته حتى يظهره الله أو أهلِكَ دونه» سمع «أبو طالب» هذا الرد
الحاسم، وأدرك إصرار النبى - صلى الله عليه وسلم - على السير فى
طريق الدعوة مهما تكن الصعاب والمشاق، فقال له فى رقةٍ بالغةٍ:
«يا ابن أخى امضِ فيما أنت فيه، فوالله لن أسلمك لشىء تكرهه
أبدًا».
ولما لم تنجح كل هذه الوسائل فى ثنى النبى - صلى الله عليه وسلم -
عن تبليغ دعوته، ورد أصحابه عن دينهم الجديد، لجأت قريش إلى
أسلوب المقاطعة، ولم يكن هذا مألوفًا فى بلاد العرب، ولعله لم يكن
مألوفًا كذلك فى أى مكان فى العالم آنذاك، ففرضت حصارًا على
«بنى هاشم» و «بنى المطلب» جميعًا، ممن يقفون مع النبى - صلى
الله عليه وسلم - ويذودون عنه، سواء من أسلم منهم أو لم يسلم،
وقررت ألا تبيع لهم أو تشترى منهم، وألا تزوجهم أو تتزوج منهم،
وألا تتزاور معهم، عقابًا لهم على مساندتهم للنبى - صلى الله عليه
وسلم -،وكتبوا بتلك المقاطعة وثيقة فى صحيفة، علقوها فى
«الكعبة»، ليكون لها احترام والتزام.
واستمر هذا الحصار القاسى المجرد من الإنسانية نحو ثلاث سنوات،
عانى منه «بنو هاشم» و «بنو المطلب» أشدَّ المعاناة، وهم صابرون
صامدون، لم يتخلَّ أحدٌ منهم عن النبى - صلى الله عليه وسلم -، حتى
تحركت النخوة والشهامة فى نفوس بعض رجالات «قريش»، كزهير بن
أبى أمية المخزومى، و «المطعم بن عدى»، و «أبى البُخترى بن
هشام»، لما رأوا ما يعانيه «بنوهاشم» و «بنو المطلب» من هذه
المقاطعة الظالمة، فسعوا فى نقضها وإنهائها، وأقسموا على
تمزيق الصحيفة، وكان لهم ما أرادوا، فخرج النبى وأصحابه من
شعبهم الذى كانوا محاصرين فيه؛ ليستأنف رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - دعوته إلى دين الله.
عام الحزن:
استأنف النبى - صلى الله عليه وسلم - دعوته بعد انتهاء المقاطعة،
واستبشر المسلمون خيرًا بعهد جديد يمارسون فيه حياتهم الطبيعية،
لكن وقع للنبى حدثان جليلان فى عام واحد وهو العام العاشر من