وعلى الرغم من هذا العدد الكبير من الغزوات والحملات فإن عدد
الضحايا فيها كلها من الفريقين كان قليلا جدا، لا يتجاوز أربعمائة
قتيل، وكان شهداء المسلمين فى تلك المعارك نحو مائتى شهيد،
منهم سبعون قتلوا غدرًا فى «بئر معونة»، فى حين لم يتجاوز قتلى
المشركين المائتين أيضًا، وهذا يدل على حرص النبى - صلى الله عليه
وسلم - على حقن الدماء، وصيانة الأرواح، وحصر الحرب فى أضيق
نطاق ممكن.
وسنتناول بالدراسة أهم الغزوات ذات الأثر الكبير والحاسم فى تاريخ
الإسلام، وهى:
١ - غزوة بدر الكبرى:
وقعت هذه الغزوة الخالدة فى السابع عشر من شهر رمضان المبارك
من السنة الثانية من الهجرة عند بئر بين «مكة» و «المدينة»، وقد
سمى الله - تعالى - يومها «يوم الفرقان»؛ لأنه فرَّق بين الحق
والباطل، وأعلى كلمة الإسلام.
وسببها أن قافلة تجارية لقريش، كانت قادمة من «الشام» إلى
«مكة»، فأمر النبى - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بالتعرض لها
والاستيلاء عليها؛ تعويضًا لهم عن أموالهم التى استولت «قريش»
عليها فى «مكة»، وهذا حق وعدل، ولم يكن فى وسع الرسول
- صلى الله عليه وسلم - أن يترك «قريشًا» حرة طليقة، تجوب الطرق،
وتتجر وتربح، وتعيش آمنة مطمئنة، وهى التى آذته وعذبت أصحابه،
وتآمرت على حياته، وأرادت قتله، فلابد من التضييق عليها،
وتهديدها فى تجارتها التى هى رزقها ومصدر قوتها؛ لتراجع
نفسها، وتقتنع بأن مواصلة العداء معه ليس فى مصلحتها، ولم يقصد
الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهذا التصرف إهلاك «قريش»
وتدميرها، لأنه جاء لإحيائهم وإسعادهم.
وعندما وصل النبى - صلى الله عليه وسلم - بجيشه إلى المكان الذى
دارت فيه المعركة علم أن القافلة أفلتت ونجت، بعد أن نجح قائدها
«أبو سفيان بن حرب» فى اتخاذ طريق الساحل بعيدًا عن طريق
القوافل المعتاد، حين علم بخروج المسلمين للاستيلاء عليها، وكان
قبل أن يفلت بقافلته قد أرسل سريعًا إلى «قريش» يستنفرها