وَأَصْلُ ذَلِكَ: أَنَّ النِّيَّةَ الْمَعْهُودَةَ فِي الْعِبَادَاتِ تَشْتَمِلُ عَلَى أَمْرَيْنِ:
أ- عَلَى قَصْدِ الْعِبَادَةِ.
ب- وَقَصْدِ الْمَعْبُودِ.
وَقَصْدُ الْمَعْبُودِ: هُوَ الْأصْلُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} البينة: ٥.
وَأَمَّا قَصْدُ الْعِبَادَةِ: فَقَصْدُ الْعَمَلِ الْخَاصِّ.
أَمَّا الْأُولَى (١): فَبِهَا يَتَمَيَّزُ مَن يَعْبُدُ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ مِمَن يَعْبُدُ الطَّاغُوتَ أَو يُشْرِكُ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ، وَمَن يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ مِمَّن يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا.
وَأمَّا النِّيَّةُ الثَّانِيَةُ (٢): فَبِهَا تَتَمَيَّزُ أَنْوَاعُ الْعِبَادَاتِ، وَأَجْنَاسُ الشَّرَائِعِ، فَيَتَمَيَّزُ الْمُصَلِّي مِن الْحَاجِّ وَالصَّائِمِ، وَيتَمَيَّزُ مَن يُصَلِّي الظُّهْرَ وَيَصُومُ قَضَاءَ رَمَضَانَ مِمَن يُصَلِّي الْعَصْرَ وَيَصُومُ شَيْئًا مِن شَوَّالٍ.
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ نِيَّةَ نَوْعِ الْعَمَلِ الْوَاجِبِ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي الْجُمْلَةِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَ الصَّلَاةَ أَو الْحَجَّ أَو الصِّيَامَ.
وَاخْتَلَفُوا فِي النِّيَّةِ الْأُولَى: وَهِيَ نِيَّةُ الْإِضَافَةِ إلَى اللهِ تَعَالَى:
مِن أَصْحَابِنَا مَن قَالَ: لَا تَجِبُ نِيَّةُ الْإِضَافَةِ إلَى اللهِ تَعَالَى .. وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ لَمْ يَعْتَبِرُوا نِيَّةَ الْإِضَافَةِ إلَى اللهِ تَعَالَى فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ.
وَذَلِكَ لِأنَّ نَفْسَ نِيَّةِ فِعْلِ الْعِبَادَةِ تَتَضَمَّنُ الْإِضَافَةَ، كَمَا تَتَضَمَّنُ عَدَدَ الرَّكَعَاتِ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ لَا تُشْرَعُ إلَّا للهِ تَعَالَى، كَمَا أَنَ صَلَاةَ الظُّهْرِ فِي الْحَضَرِ لَا تَكُونُ إلَّا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَلِهَذَا لَمْ تَجِبْ نِيَّةُ الْإِضَافَةِ (٣).
= قَلْبهِ مِن قَصْدِ الْحَجِّ وَنِيَّتِهِ، فَإِنَّ الْقَصْدَ مَا زَالَ فِي الْقَلْب مُنْذُ خَرَجَ مِن بَلَدِهِ، بَل لَا بُدَّ مِن قَوْلِ أَو عَمَلٍ يَصِيرُ بهِ مُحْرِمًا، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِن الْقَوْلَيْنِ. (٢٦/ ١٠٨)
(١) وهي نية قَصْد الْمَعْبُوَدِ، وهو الله تعالى.
(٢) وهي نية قَصْدِ الْعِبَادَةِ المعيّنة.
(٣) ومن قرأ القرآن ابتغاء الأجر، قد لا يخطر بباله استحضار نية الْإِضَافَةِ إلَى اللهِ تَعَالَى.