فَلِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ لِأجْلِ تَلَفِهِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِن قَبْضِهِ (١)، وَلَهُ الْإِمْضَاءُ لِإِمْكَانِ مُطَالَبَةِ الْمُتْلِفِ.
فَإِنْ فَسَخَ: كَانَت مُطَالَبَةُ الْمُتْلِفِ لِلْبَائِعِ، وَكَانَ لِلْمُشْتَرِي فطَالَبَةُ الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ إنْ كَانَ قَبَضَهُ، وإِن لَمْ يَفْسَخْ كَانَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ وَلَهُ مُطَالَبَةُ الْمُتْلِفِ، لَكِنَّ الْمُتْلِفَ لَا يُطَالَبُ إلَّا بِالْبَدَلِ الْوَاجِبِ بِالْإِتْلَافِ، وَالْمُشْتَرِي لَا يُطَالِبُ إلَّا بِالْمُسَمَّى الْوَاجِبِ بِالْعَقْدِ.
وَهَذَا الْأَصْلُ مُسْتَقرٌّ فِي جَمِيع الْمُعَاوَضَاتِ إذَا تَلِفَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِن الْقَبْضِ تَلَفًا لَا ضَمَانَ فِيهِ (٢): انْفَسَخَ الْعَقْدُ.
وَإِن كَانَ فِيهِ الضَّمَانُ: كَانَ فِي الْعَقْدِ الْخِيَارُ.
وَكَذَلِكَ سَائِر الْوُجُوهِ الَّتِي يَتَعَذَّرُ فِيهَا حُصُولُ الْمَقْصُودِ بِالْعَقْدِ مِن غَيْرِ إيَاسٍ؛ مِثْل أَنْ يَغْصِبَ الْمَبِيع أَو الْمُسْتَأجَرَ غَاصِبٌ، أَو يُفْلِسَ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ، أَو يَتَعَذَّرُ فِيهَا مَا تَسْتَحِقُّهُ الزَّوْجَةُ مِن النَّفَقَةِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقَسْمِ، أَو مَا يَسْتَحِقُّهُ الزوْجُ مِن الْمُتْعَةِ وَنَحْوِهَا.
وَلَا يُنْتَقَضُ هَذَا بِمَوْتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَمَامُ الْعَقْدِ وَنهَايَتُهُ، وَلَا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأنَّ نَفْسَ حُصُولِ الصِّلَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ أَحَدُ مَقْصُودَي الْعَقْدِ؛ وَلهَذَا ثَبَتَتْ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ فِي غَيْرِ الرَّبِيبَةِ.
فَصْلٌ
وَالْأصْلُ فِي أَنَّ تَلَفَ الْمَبِيع وَالْمُسْتَأْجَرِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِن قَبْضِهِ يَنْفَسِخُ بِهِ الْعَقْدُ مِن السُّنَّةِ: مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" (٣) عَن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَو بِعْت مِن أَخِيك ثَمَرًا فَأصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَلَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، بِمَ تَأخُذُ مَالَ أَخِيك بِغَيْرِ حَقٍّ؟ ".
(١) أمَّا إنْ أتلفه بعد التمكن من قبضه فالضمان على المستأجر والمشتري كما تقدم.
(٢) أي: لا يُمكن تضمين المُتلف.
(٣) (١٥٥٤).