يُفتَى به في زمنِ النُّبُوَّةِ كلِّه، وفي زمنِ أبي بكرٍ كلِّه أيضًا، ويَشْتَهِرَ، ولا يُعلَمُ بالنسخِ.
ولا يُمكِنُ أن تُجمِعَ الأمَّةُ في خلافةِ أبي بكرٍ كلِّها على خطإٍ، وليس في الصحابةِ مَن يبيِّنُ الدِّينَ.
وقال بعضُ الفقهاءِ قولًا آخَرَ، وهو التفريقُ بين المدخولِ بها وغيرِ المدخولِ بها، وأنَّ المدخولَ بها يقَعُ ثلاثًا، وغيرَ المدخولِ بها يقَعُ واحدةً؛ لظاهرِ روايةِ أبي الصَّهْباءِ؛ قال بِهذا زكريَّا السَّاجِيُّ وغيرُه.
وذلك أنَّ غيرَ المدخولِ بها تَبِينُ مِن زوجِها بواحدةٍ، والزيادةُ لَغْوٌ؛ لأنَّ الطَّلْقةَ الثانيةَ والثالثةَ وقعَتْ في البينونَةِ وهي ليست زوجةً له، ولكنَّ هذا يستقيمُ فيما إذا طلَّقَها فقال: "أنتِ طالقٌ طالقٌ طالقٌ"، ولا يستقيمُ فيما إذا قال: "أنتِ طالقٌ ثلاثًا"؛ لأنَّ اللفظَ الأخيرَ جاء جُمْلةً واحدةً، لا متتاليًا.
وللطلاقِ البِدْعيِّ صُوَرٌ أُخرى غيرُ الطلاقِ الثلاثِ؛ كالطلاقِ في الحَيْضِ والنِّفاسِ، وطلاقِ المرأةِ في عِدَّةِ طلاقِها قبلَ أن يُراجِعَها، وطلاقِها في طُهْرٍ جامَعَها فيه، وبعضُ مَن يقولُ بعدَمِ وقوعِ الثلاثِ جملةً يَطَّرِدُ، ويقولُ بعدَمِ وقوعِهِ في بقيَّةِ الطلاقِ البِدْعيِّ كلِّه.
وقولُهُ تعالى: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} هي الطَّلْقةُ الثالثةُ، وقد حكى ابنُ عبدِ البَرِّ الإجماعَ على هذا (١)؛ لأنَّ اللهَ ذكَرَ الطلقتَيْنِ قبلُ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ}، ثمَّ لا تسريحَ بعدَهما إلَّا الثالثةَ، وهي المذكورةُ في قولِه: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} البقرة: ٢٣٠، فذكَرَها أوَّلًا على سبيلِ الإجمالِ، ثمَّ ذكَرَها بعدُ على سبيلِ التفصيلِ وبيانِ الحُكْمِ اللَّاحقِ بِها.
(١) "الاستذكار" (١٨/ ١٥٨).