الأوَّلُ: التربُّصُ حَوْلًا كاملًا في بيتِ زوجِها الذي مات عنها فيه.
الثاني: الوصيَّةُ لها بالمتاعِ في تلك المُدَّةِ التي تتربَّصُ فيها.
وهذه الآيةُ كانت حقًّا للزوجةِ قبلَ نسخها بعِدَّةِ المتوفَّى عنها زوجُها، وقد سبَقَتْ، على قولِ عامَّةِ المفسِّرينَ؛ خلافًا لمجاهِدٍ في قولٍ، وكان ذلك حَقًّا للزوجةِ، ولها التنازُلُ عنه؛ فلا يجبُ عليها التربُّصُ عامًا في بيتِ زوجِها إلَّا باختيارِها، ولها التنازُلُ عن حقِّها في المتعةِ تلك المُدَّةَ.
ومجاهِدٌ في قولِهِ هذا الذي تفرَّدَ له، يجعَلُ عِدَّةَ الوفاةِ حتمًا، والوصيَّةَ بالمتعةِ حَوْلًا على التخييرِ للزَّوْجةِ؛ إن شاءَتْ أخَذَتْ به، وإن شاءَتْ تَرَكَتْه، ويرى مجاهِدٌ أنَّ آيةَ عِدَّةِ الوفاةِ سابقةٌ، وهذه الآيةَ لاحِقةٌ مبيِّنةٌ.
رواه البخاريُّ؛ مِن حديثِ شِبْلٍ، عنِ ابنِ أبي نَجِيحٍ، عن مجاهِدٍ، وكأنَّ البخاريَّ لم يَجزِمْ به عن مجاهِدٍ، فقال بعدَ إخراجِهِ: "زعَمَ ذلك عن مجاهِدٍ" (١)؛ يعني: شِبْلًا.
وخُولِفَ عليه؛ فرواهُ ابنُ جُرَيْجٍ، عنْ مجاهِدٍ: بأنَّ عِدَّةَ الوفاةِ ناسخةٌ للتربُّصِ والمتعةِ حولًا.
وقولُ مجاهِدٍ فيما يوافِقُ العامَّةَ أَحْرَى بالأخذِ، وقد حكى الشافعيُّ عدَمَ معرِفةِ مخالِفٍ للقائِلِينَ بنسخِ هذه الآيةِ بما سبَقَ؛ وهي قولُهُ تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} البقرة: ٢٣٤.
والنَّسْخُ قولُ عامَّةِ السلفِ؛ كابنِ عبَّاسٍ، وعطاءٍ.
(١) أخرجه البخاري (٤٥٣١) (٦/ ٢٩).