"اليمينُ الصبرُ الكاذبةُ، يَحْلِفُ بها الرجلُ على ظُلمٍ أو قطيعةٍ، فتلك لا كفارةَ لها إلا أن يَترُكَ ذلك الظلمَ، أو يَرُدَّ ذلك المالَ إلى أهلِه، وهو قوله - تعالى ذِكرُه -: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} " (١).
وروى البيهقيّ، عن أبي العاليةِ, قال: قال أبو عبدِ الرحمنِ - يعني ابنَ مسعود -: كنا نعد مِن الذنبِ الذي لا كَفارةَ له اليمينَ الغموسَ، فقيل: ما اليمينُ الغموس؟ قال: "اقتطاع الرجلِ مالَ أخيهِ باليمينِ الكاذبة" (٢).
القول الثاني وهو قول الشافعي والأوزاعيِّ ومَعمَرٍ: أن اليمينَ الغموسَ فيها كفارةٌ؛ لأن اللهَ جعَلَ الإيمانَ على قسمينِ: (لَغْوٌ) وعَفَا عن كفارتها، (ومنعقِدةٌ) وهي التي فيها كفارةٌ، وهي ما عدا اللغوَ.
وجرَى الشافعية في ذلك على قاعدتهم في كفارةِ العَمدِ؛ لأنَّهم يرَونَ العمدَ أولى في وجوبِ الكفارةِ مِن الخطأ، فتعمُّدُ الإنسان فِعلَ المحرَّمِ لا يُخْرِجُه مِن تَبِعَتِه، ومِن تَبِعتِهِ كفارتُه، وهذا يجب عندَهم فيما هو أغلظُ مِن اليمينِ كالقتلِ العمدِ، فيُوجِبونَ فيه الكفارةَ، وكقضاءِ الصلاةِ المكتوبةِ المتروكةِ عمدًا فيجب فيها القضاء، كما يجب في تركِها خطأ بالإجماعِ.
والقاعدةُ عندَ أحمدَ وأصحابِه: أن قتلَ العَمدِ لا كفارةَ فيه، وَيطرُدُونَ هذا في اليمينِ الغموسِ؛ فلا يرَونَ الكفارةَ فيها، وأحمد وأصحابُه يوجِبونَ القضاءَ للمكتوبةِ المتروكةِ عمدًا, كسائرِ الأئمةِ الأربعةِ، وأخرَجَ أحمدُ قضاءَ الصلاةِ المكتوبةِ مِن قاعدةِ التكفيرِ في العمدِ في القتلِ واليمينِ الغموسِ؛ أخذًا بظاهرِ الأدلةِ، ولم يُخرِجِ الصلاةَ من
(١) "تفسير الطبري" (٤/ ٣٧).
(٢) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (١٠/ ٣٨).