للقَرَابَاتِ أنَّ يُضْرَبَ لهم إن حَضَرُوا، فربَّما كان مَنْ هو أقرَبُ منه لم يحضُرْ، ويَلْزَمُ منه بيانُ مقدارِ الحضورِ ونوعِه؛ فمنهم: مَن شَهِد القِسمةَ كلَّها مِن أوَّلِها إلى آخِرِها، ومنهم؛ مَن حضَرَ آخِرَها، ومنهم: مَن شهِدَهم يَقْبِضُونَ لا يَقْتَسِمُونَ؛ وهذا لا يَثْبُتُ به حقٌّ بيِّنٌ، ولا يُلزِمُ له الوحيُ المُحْكَمُ.
والقولُ بأنَّ الآيةَ مُحكمةٌ قولٌ محتملٌ، ولكنَّ حَمْلَهُ على الوجوبِ فيه نظرٌ.
وقد رواهُ ابن أبي نجِيحٍ، عن مُجاهدٍ، في هذه الآيةِ؛ قال: "هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى أَهْلِ المِيرَاث، مَا طَابَت بِهِ أنفُسُهمْ" (١).
وروى ابن أبي حاتمٍ وابنُ جريرٍ، عن يُونُسَ بنِ عُبَيْدٍ، عن محمَّدِ بنِ سِيرينَ؛ قال: "وَليَ عَبيدَة وصيَّةً، فأمَرَ بشاةٍ فذُبِحَت؛ فأطعَمَ أصحابَ هذه الآية، وقال: لولا هذه الآيةُ، لكان هذا مِن مالي" (٢).
وروى مالكٌ، عن الزُّهْريِّ: "أنَّ عُرْوَةَ أَعْطَى مِن مالِ مُصْعَبٍ حِينَ قَسَّمَ مالَه" (٣).
ومَن فعَلَ بهذه الآيةِ عن طِيبِ نفسٍ ولا يقولُ بالوجوب، فهو يقولُ بالنسخِ على قولِ مَن يقولُ بأنَّ الآَيةَ على الوجوب، وَيحْمِل ما جاء عن السلفِ مِن تقديرٍ لمَن حضَرَ حقًّا، أو جعَلَ الآيةَ مُحكَمةً: أنَّ الإحكامَ في الندب، لا في الوجوبِ؛ فمِن الإحسانِ إعطاءُ مَن حضَرَ وشَهِدَ القِسْمةَ إكرامًا وفضلًا.
(١) "تفسير الطبري" (٦/ ٤٣٣)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ٨٧٥).
(٢) "تفسير الطبري" (٦/ ٤٤٤)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ٨٧٤).
(٣) "تفسير ابن كثير" (٢/ ٣٢٠).