قال تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} النساء: ٩.
الأمرُ في الآيةِ لمَن حضَرَ مُوصِيًا يُوصِي أنْ يَخشَى اللهَ فيه ويتَّقيَهُ، فقد تَغِيبُ بعضُ الحقوقِ عن المُوصِي، وخاصَّةً عندَ قُربِ الأجَلِ وظهورِ علاماتِه؛ لتشتُّت الذهنِ وضَعْفِ الإدراكِ؛ لأنَّ المُوصِيَ قد لا يطُولُ عمُرُهُ بعدَ وصيَّتِهِ فيَستدرِكَ، ولأنَّ مقامَ تغييرِ الوصيَّةِ عظيم مِن بعدِه، فربَّما أَوْصَى المُوصِي بكلِّ مالِهِ أو ثُلُثَيْهِ أو نِصْفِهِ ولدَيه ذريَّةٌ ضعفاءُ، وعليه حقوقٌ كثيرةٌ، فيجبُ على مَن حضَرَهُ تذكيرُه.
التشديدُ على شهودِ الوصيَّة:
والأمرُ هنا اقترَنَ بتذكيرِ مَن شَهِدَ الوصيَّةَ أنْ ينظُرَ في نفسِهِ لو كان مُوصِيًا وترَكَ ذريَّةٌ ضعفاءَ، فهو يخافُ عليهم أكثَرَ مِن غيرِهم؛ فلا يَطمَعُ مَن حضَرَ الوصيَّةَ في الوصيَّةِ له، أو لمَن أَحَبَّ، أو فيما يُحِبُّ مِن المصارفِ وَيغْفُلُ عن حقِّ ورثةِ الميِّتِ.
فأمَرَ اللهُ مَن شَهِدَ الوصيَّةَ بتَقْواهُ وحَذَّرَهُ مِنَ الحَيْفِ فيها، وأمَرَهُ بالقولِ السديدِ والقَصْدِ والإنصافِ في النصحِ للمُوصِي؛ حتى لا يتأثَّرَ بقولِهِ وتلقينِهِ له.
وهذا قولُ ابنِ عبَّاسٍ والحسنِ وسعيدِ بنِ جُبيرٍ ومجاهدٍ وغيرِهم.
روى ابن جريرٍ، عن عليِّ بنِ أبي طَلْحةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ؛ في قولِهِ تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ}، إلى آخِرِ الآيةِ: "فهذا في الرجُلِ يحضُرُهُ الموتُ فيسمعُهُ يُوصِي بوصيَّةٍ تُضِرُّ بورثتِه، فأمَرَ اللهُ سبحانَهُ الذي سَمِعَهُ أنْ يَتَّقِيَ الله ويُوَفِّقَهُ ويُسَدِّدَهُ