للصواب، ولْينظُر لورثتِه، كما كان يُحِبُّ أنْ يُصنَعَ لورثتِهِ إذا خَشِيَ عليهمُ الضَّيْعَةَ" (١).
وكانُوا في أولِ الأمرِ يجلِسونَ عندَ الميِّت، ويُزَهِّدُونَهُ في حقِّ ذريَّتهِ ليُوصِيَ في مالِهِ بحُسْنِ ظنٍّ، فنُهُوا عن ذلك، وكان هذا قبلَ تقديرِ الوصيَّةِ بالثُّلثِ؛ روى عطاءٌ معنى هذا عن ابنِ عبَّاسِ (٢).
وقال بعضُ السلفِ: إنَّ الخطابَ في الآيةِ لأولياءِ اليتامَى أنْ يتَّقوا الله فيهم فيُحْسِنُوا وَيَقْصِدُوا معهم كما يُحسِنُونَ مع أولادِهم، وكما يُحِبُّونَ أنْ يُحسِنَ وُلاةُ أولادهم وكذلك أوصياؤُهم مِن بعدِهم إذا صار أولادُهم أيتامًا؛ وهو مرويٌّ عن ابنِ عبَّاسٍ (٣) وعطاءِ بنِ السائبِ.
وقيل: هو خطابٌ للأوصياءِ أنْ يُؤَدُّوا الوصيَّةَ، كما أمَرَ بها المُوصِي؛ وتقدَّمَ في سورةِ البقرةِ الكلامُ على تحريمِ تبديلِ الوصيَّةِ في قوله: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} البقرة: ١٨١.
العدلُ في الوصيَّةِ:
وتتضمَّنُ الآيةُ وجوبَ العدلِ في الوصيَّة، وتحريمَ الحَيْفِ بها، ومِن ذلك: الوصيَّةُ بما يُضِرُّ بالورثةِ ويَظلِمُ بعضُهم بعضًا، كالوصيَّةِ للوارثِ، والوصيَّةِ بأكثَرَ مِن الثُّلُثِ، والوصيَّةِ بحَرَامٍ، والوصيَّةِ بعملِ بِرٍّ وعدمِ تركِ وفاءٍ للدَّيْنِ، والوصيَّةِ بدونِ الثُّلثِ والمالُ الباقي قليلٌ لا يَرفَعُ فَقْرَ الورثةِ ولا يَدفَعُ حاجتَهم.
وروى ابنُ طاوسٍ، عن أبيه، قال: "لا يجوزُ لمَنْ كان ورثتُهُ كثيرًا، ومالُه قليلًا: أنْ يُوصِيَ بثُلُثِ مالِه" (٤).
(١) "تفسير الطبري" (٦/ ٤٤٦).
(٢) "تفسير الطبري" (٦/ ٤٤٧)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ٨٧٦).
(٣) "تفسير الطبري" (٦/ ٤٥١).
(٤) أخرجه عند الرزاق في "مصنفه" (١٦٣٥٣) (٩/ ٦٣).