قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ارجع فصلّ، فإنك لم تصلّ"، وهو في "الصحيحين"، لكن لم يقع في روايتهما أن الرجل إنما قصّر بأنه لم يُقم صلبه في الركوع والسجود، وإن وقع معنى ذلك في رواية لغيرهما كما في "الفتح" (١).
ومن شواهده قول زيد بن وهب: رأى حذيفة رجلًا لا يُتمّ الركوع والسجود، فقال: ما صلّيت، ولو متّ مت على غير الفطرة التي فطر الله محمدًا -صلى الله عليه وسلم-. أخرجه البخاريّ (٢)، ولكن في الحكم له بالرفع خلاف. والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
قال المصنّف رَحِمَهُ اللهُ تعالى:
(وَأَسْنَدَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْج النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- حَدِيثًا، وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وُلِدَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-).
إيضاح المعنى الإجماليّ لهذه الفقرة:
ذكر رَحِمَهُ اللهُ تعالى أيضًا مثالًا آخر، وهو رواية عبيد بن عُمير، وهو ممن وُلد في زمنه -صلى الله عليه وسلم- عن أم سلمة، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- حديثًا واحدًا بالعنعنة، ومن المعلوم أنَّها ممن تأخر وفاتها بعده -صلى الله عليه وسلم- سنين عديدة بحيث عاش معها، وعاصرها عبيد بن عمير دهرًا طويلًا، فقد قيل: ماتت سنة (٦٢) وقيل: سنة (٦١) وقيل: قبل ذلك، والأول أصحّ كما سيأتي قريبًا.
ومع ذلك فلم يثبت لدينا أنه لقيها، وسمع منها حديثًا، وقد صحّح العلماء حديثه عنها، وهو على ما قاله المنتحل ضعيف؛ لإمكان الإرسال. هذا خلاصة ما أشار إليه، وسيأتي الجواب عنه في الشرح التفصيليّ، إن شاء الله تعالى.
إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:
(وَأَسْنَدَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ) بن قتادة بن سعيد بن عامر بن جُنْدَع بن ليث الليثي، ثم الجندعيّ، أبو عاصم المكي، قاصّ أهل مكة، روى عن أبيه، وله صحبة، وعمر، وعلي، وأبي بن كعب، وأبي موسى الأشعري، وغيرهم. وروى عنه عطاء، ومجاهد، وعبد العزيز بن رفيع، وعمرو بن دينار، وغيرهم.
قال ابن معين، وأبو زرعة: ثقة. وقال العجلي: مكي تابعي ثقة، من كبار
(١) ج ٢/ ص ٢٢٣.
(٢) البخاريّ ٢/ ٣٢١ "كتاب الأذان".