قال: أخبرنا وكيعُ الجَرّاح، ومحمد بن عبد الله الأسدي، عن عبد الله بن لَاحِق المكي، عن ابن أبي مُليكة سمعته منه قال: مات عبد الرحمن بن أبي بكر بالحُبْشِيّ (١)، فحُمِل حتى دُفن بمكة. قال: فقدمت عائشة من المدينة فَأَتَت قبرَه فوقفت عليه فتمثلت بهذين البيتين:
وكُنّا كَنَدْمَانَيْ جَذِيمة حِقْبَةً … من الدَّهْر حتى قيل: لن يَتَصدَّعَا
فلما تَفَرَّقْنَا كَأَنِّي ومَالكًا … لطُولِ اجتماعٍ لم نَبِتْ ليلةً مَعَا (٢)
ثم قالت أَمَا واللهِ لو شهدتك ما زرت قبرك، ولو شهدتك ما حُمِلتَ من حبشيّ ميتًا وَلَدُفِنْتَ مكانك.
قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الأسدي عن أيوب (٣)، عن عبد الله بن أبي مُليكَةَ أن عبد الرحمن بن أبي بكر تُوفي في منزلٍ له فحملناه على رقابنا ستة أميالٍ إلى مكة وعائشةُ غائبةُ. فقَدِمَتْ بعد ذلك فقالت: أَرُوني قبرَ أخي فأَرَوها فَصَلَّت عليه.
قال: أخبرنا مُعاذ بن مُعاذ، قال: حدّثنا ابن عون، قال: حدّثني رجلٌ قال: قدمت أم المؤمنين ذَا طُوًى (٤) حين رفعوا أيديهم عن قبر عبد الرحمن بن أبي بكر، قال: فَفَعَلَتْ يومئذ وتركت، قال: فقالت لها امرأة: وإنك لتفعلين مثل هذا يا أمَّ المؤمنين؟! قالت: وما رأيتني فعلت؟ إِنه ليست لنا أكباد كأكباد الإبل، قال: ثم أمرت بفُسطاط فَضُرب على القبر وَوَكّلوا به إنسانًا وارتحلت، فقدم ابن عمر فرأى الفسطاط مضروبًا فسأل عنه فحدثوه، فقال للرجل: انزعه قال: إنهم وكّلوني به، قال: وأخبرهم أن عبد الرحمن إنما يُظلّه عَملهُ (٥).
(١) حُبْشِيّ: جبل أسفل مكة بنعمان الأراك، يقال به سُميت أحابيش قريش (ياقوت) وفي هامش الأصل "قال البكري: حَبِيش بفتح أوله وكسر ثانيه: جبل بمكة، وبه سُمِّيت الأحابيش حلفاء قريش، لأنهم تحالفوا تحته لا ينقضون ما أقام حَبِيش. وأهل الحديث يقولون "حُبْشِيّ" بضم أوله منسوب على مثال فُعْلِيّ: موضع على نحو عشرة أميال من مكة، به مات عبد الرحمن بن أبي بكر فجأة؛ وصحته والله أعلم: حَبِيش".
(٢) البيتان في الشعر والشعراء ج ١ ص ٣٣٨، وأسد الغابة ج ٣ ص ٤٦٩.
(٣) "عن أيوب" استدركت بهامش الأصل، وفوقها (صح).
(٤) ذو طوى: واد بمكة.
(٥) الخبر بنصه لدى ابن عساكر في تاريخه - مختصر ابن منظور ج ١٤ ص ١٨٦.