للحواريين: أنا أذهب وسيأتيكم فار قليط روح الحق الذي لا يتكلم من قبل
نفسه، إنه نذير لجميع الخلق ويخبركم بالأمور التي معه، ويمدحني ويشهد لي.
قوله: (أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ) .
قيل: هم قوم كانوا في زمن موسى، وقيل: هم الذين آمنوا
بمحمد - صلى الله عليه وسلم - كابن سلام وأصحابه.
الغريب: ابن عباس: هم في منقطع من الأرض وراء الصين
رآهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة المعراج، فآمنوا به وصدقوه، وقرأ عليهم عشر سور مما نزل بمكة.
قوله: (اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا) .
أعرب (اثْنَتَيْ عَشْرَةَ) ، لأن عشرة بدل عن النون، وبنى عشرة لكونها بدلا
من النون، وأنث اثنتي عشرة حملاً على الفرقة أو الأمة، و (أَسْبَاطًا) بدلاً من
(اثْنَتَيْ عَشْرَةَ) .
وقيل: (أَسْبَاطًا) مقدر في التقدير، أي وقطعناهم أَسْبَاطًا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ (١) .
الغريب كل واحد منهم على الكثرة، فصار كما تقول: لزيد دراهم
ولعمرو دراهم ولفلان دراهم فهذه عشرون دراهم.
قوله: (يَوْمَ سَبْتِهِمْ) .
هو آخر يوم في الأسبوع، وأضافه إليهم، لأنهم خصوا بأحكام فيه.
الغريب: السبت ها هنا مصدر، بدليل قوله: (وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ) :
والسبت: الراحة، والسبت تعظيم السبت، والاختيار فى عدد الأيام الرفع إذا قلت اليوم الأحدُ، وكذلك سائرها، إلا السبتَ والجمعةَ.
(١) قال السمين:
قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثنتي عَشْرَةَ} :
الظاهر أن «قطعناهم» متعدٍّ لواحد لأنه لم يُضَمَّنْ معنى ما يتعدى لاثنين، فعلى هذا يكون «اثنتي» حالاً من مفعول «قطَّعناهم» ، أي: فَرَّقْناهم معدودِين بهذا العدد. وجوَّز أبو البقاء أن يكون قَطَّعْنا بمعنى صَيَّرنا وأن «اثنتي» مفعولٌ ثانٍ، وجزم الحوفي بذلك.
وتمييز «اثنتي عشرة» محذوف لفهم المعنى تقديره: اثنتي عشرة فرقة و «أسباطاً» بدل من ذلك التمييز. وإنما قلت إن التمييز محذوف، ولم أجعل «أسباطاً» هو المميِّز لوجهين، أحدهما: أن المعدودَ مذكرٌ لأن أسباطاً جمع سِبْط، فكان يكون التركيبُ اثني عشر. والثاني: أن تمييز العدد المركب وهو من أحد عشر إلى تسعة عشر مفرد منصوب، وهذا كما رأيت جمعٌ. وقد جعله الزمخشري تمييزاً له معتذراً عنه فقال: «فإن قلتَ: مميِّز ما عدا العشرةَ مفردٌ فما وجهُ مجيئه جمعاً؟ وهلا قيل: اثني عشر سِبْطاً. قلت: لو قيل ذلك لم يكن تحقيقاً لأن المرادَ: وقطَّعْناهم اثنتي عشرة قبيلة، وكلُّ قبيلة أَسْباط لا سِبْط، فوضع أسباطاً موضع قبيلة. ونظيرُه:
. . . بين رماحَيْ مالكٍ ونَهْشَلِ
قال الشيخ:» وما ذهب إليه من أن كل/ قبيلة أسباط خلافُ ما ذكره الناس: ذكروا أن الأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في العرب، وقالوا: الأسباط جمع سبط ، وهم الفرق والأسباط في ولد إسحاق كالقبائل في ولد إسماعيل ويكون على زعمه قولُه تعالى: {وَمَآ أُنزِلَ إلى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ والأسباط} معناه: والقبيلة. وقوله وهو نظير قوله «بين رماحَيْ مالك ونهشل» ليس بنظيره، لأن هذا من باب تثنية الجمع وهو لا يجوز إلا في ضرورة، وكأنه يشير إلى أنه لو لم يُلْحَظْ في الجمع كونُه أريد به نوعٌ من الرماح لم تَصِحَّ التثنية، كذلك هنا لُحِظ في الأسباط وإن كان جمعاً معنى القبيلة فَمُيِّزَ به كما يُمَيَّزُ بالمفرد «.
وقال الحوفي:» يجوز أن يكونَ على الحَذْف، والتقدير: اثنتي عشرة فرقةً أسباطاً، ويكون «أسباطاً» نعتاً لفرقة، ثم حُذف الموصوفُ وأقيمت الصفة مُقامه. وأمم نعتٌ لأسباط، وأنَّث العددَ وهو واقعٌ على الأسباط وهو مذكر وهو بمعنى فرقة أو أمة كما قال:
ثلاثة أنفس. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
يعني رجلاً. وقال:
. . . . . . . . . . . . . . . . عشرُ أَبْطُنْ. . . . . . . . . . . . . . . . . ..
بالنظر إلى القبيلة. ونظيرُ وصفِ التمييز المفرد بالجمع مراعاةً للمعنى قول الشاعر:
٢٣١٨ فيها اثنتان وأربعون حَلوبةً. . . سُوداً كخافيةِ الغراب الأَسْحَمِ
فوصف «حلوبة» وهي مفردةٌ لفظاً ب «سُوْداً» وهو جمع مراعاةً لمعناها، إذ المرادُ الجمع «.
وقال الفراء:» إنما قال «اثنتي عشرة» والسِّبط مذكر لأنَّ ما بعده أممٌ فذهب التأنيث إلى الأمم، ولو كان اثني عشر لتذكير السبط لكان جائزاً «واحتجَّ النحويون على هذا بقول الشاعر:
وإنَّ قريشاً هذه عشرُ أبطنٍ. . . وأنت بريءٌ من قبائلها العشرِ
ذهب بالبطن إلى القبيلة والفصيلة، لذلك أنَّث والبطن ذَكَر.
وقال الزجاج: «المعنى:» وقَطَّعناهم اثنتي عشرة فرقةً أسباطاً، من نعتِ فرقة كأنه قال: جَعَلناهم أسباطاً وفَرَّقْناهم أسباطاً «، وجوَّز أيضاً أن يكون» أسباطاً «بدلاً من» اثنتي عشرة «وتبعه الفارسيُّ في ذلك.
وقال بعضهم:» تقدير الكلام: وقطعناهم فرقاً اثنتي عشرة، فلا يُحتاج حينئذٍ إلى غيره. وقال آخرون: جَعَل كلَّ واحد من الاثنتي عشرة أسباطاً، كما تقول: لزيد دراهم ولفلان دراهم ولفلان دراهم، فهذه عشرون دراهم، يعني أن المعنى على عشرينات من الدراهم. ولو قلت: لفلان ولفلان ولفلان عشرون درهماً بإفراد «درهم» لأدَّى إلى اشتراك الكل في عشرين واحدة والمعنى على خلافه. وقال جماعة منهم البغوي: «وفي الكلام تقديمٌ وتأخير تقديرُه: وقطعناهم أسباطاً أمماً اثنتي عشرة» .
وقوله {أُمَماً} : إمَّا نعتٌ لأسباطاً، وإمَّا بدل منها بعد بدل على قولنا: إن أسباطاً بدلٌ من ذلك التمييزِ المقدر. وجَعَلَه الزمخشري أنه بدل من اثنتي عشرة قال: «بمعنى: وقَطَّعناهم أمماً لأن كل أسباط كانَتْ أمةً عظيمة وجماعة كثيفة العدد» وكلُّ واحدة تَؤُمُّ خلافَ ما تَؤُمُّه الأخرى لا تكاد تأتلف «انتهى. وقد تقدَّم القول في الأسباط.
وقرأ أبان بن تغلب» وَقَطَعْناهم «بتخفيف العين، والشهيرةُ أحسنُ لأنَّ المقامَ للتكثير، وهذه تحتمله أيضاً. وقرأ الأعمش وابن وثاب وطلحة ابن سليمان» عَشِرة «بكسر الشين، وقد رُوي عنهم فتحُها أيضاً، ووافقهم على الكسر فقط أبو حيوة وطلحة بن مصرف. وقد تقدَّم تحقيق ذلك في البقرة، وأن الكسرَ لغةُ تميم والسكونَ لغةُ الحجاز. اهـ (الدر المصون) .