وقيل: بعدَ الدخول، أي: قُرِّبتْ (١) لهم مواضعُهم فيها، فلا يطلُبون منها بعداً.
وقيل: قُرِّبتْ للمتقين لتُقرِّبَهم قُربَ ظَفَرٍ ودخولٍ (٢).
{غَيْرَ بَعِيدٍ}: أي: قريب، فلم يبعُد (٣)، وقيل: {غَيْرَ بَعِيدٍ}: في الزمان والمكان، وذِكْرُ البعيد حملاً على الزمان أو المكان.
{هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢)}: أي يُقال للمتّقين وقد أُزلفت الجنة: {هَذَا} الذي {تُوعَدُونَ} في الدنيا {لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ}.
وقيل: خاطبهم في الدنيا فقال: {هَذَا} الذي وُعدتم {لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ}.
وهذا أظهر.
و {هَذَا} في الآية مبتدأٌ، {مَا تُوعَدُونَ} صفته، {لِكُلِّ أَوَّابٍ} خبرُه.
ومعنى: (٤) {لِكُلِّ أَوَّابٍ}: راجع من المعصية إلى الطاعة.
وقيل: توَّاب، كلّما أذنب ذنباً تاب.
ابنُ عباس - رضيَ الله عنهما -: " مسبِّحٍ " (٥).
{حَفِيظٍ}: يحفظُ ذنوبَه حتى يتوبَ منها، وقيل: الحفيظُ لما يَسمعُ من كلامِ الله وسنة رسوله، وقيل: يحفظُ كلَّ ما قرّبه إلى ربه، وقيل: يذكرُ ذنبَه إذا خلا؛ فيستغفرُ اللهَ منه، وقيل: الحفيظُ: المُطيع، وقيل: يحفظُ نفسَه فلا يشرعُ في معصيةٍ.
وقيل: {لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ}: هو الرجلُ يكونُ في المجلس فإذا أرادَ أنْ يقومَ قال: اللهمّ اغفرْ لي ما أصبتُ في مجلسي هذا.
ومعنى {حَفِيظٍ}: حافظ، وقيل: محافظ (٦).
{مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ}: مَن أخلص لله في السرِّ والعلانية.
وقيل: مَن آمن بالبعث والجزاء، وذلك غيبٌ.
وقيل: خشي عذابَ الله بالغيب من حيثُ لا يشعر به الناس.
{وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣)}: مُقبل إلى الله بطاعته، راجع إليه بعمله.
{مَنْ خَشِيَ}: يجوزُ أنْ يكونَ خفضاً على البدل، و (٧) يجوزُ أنْ يكونَ خبراً، أي: هم مَن خشي، ويجوزُ أنْ يكونَ مبتدأً، والخبر: يُقال لهم: ادخلوها.
وقيل: ضُمَّ بالنداء، تقديره: يا (٨) مَن خشيَ الرحمنَ ادخلوها، فلا يحتاجُ إلى إضمار القول.
والباء في {بِالْغَيْبِ}: للحال، وقيل: بظهر الغيبط.
{وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ}: بسريرةٍ مُرضيةٍ، وعقيدةٍ صحيحة.
{ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ}: أي: سالمين ناجين من كلّ مكروهٍ.
{ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤)}: إما في الجنة، وإما في النار.
والتقدير: ادخلوها خالدين ذلك يوم الخلود.
{لَهَمَّتْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا}: هو كقوله: {مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ} ... الزخرف: ٧١.
{وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (٣٥)}: بالواحد عشراً.
وقيل: المزيد التزوُّج بالحور العين.
والجمهور على أنَّ المزيدَ رؤيةُ الله سبحانه (٩).
الزجّاج: " إن السحابَ يمرُّ بأهل الجنة فيُمطِرهم الحورَ، فيقول الحورُ: نحن الذي قال الله تعالى: وَلَدَيْنَا {مَزِيدٌ} " (١٠).
{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ}: قبلَ قومك.
{مِنْ قَرْنٍ}: من القرون الذين (١١) كذّبوا رسلَهم.
{هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ}: من قومك.
{بَطْشًا}: قوةً، وأقوى أبداناً، وأشدّ سطوةً على الناس.
{فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦)}: طوّفوا وفتّشوا وساروا وسلكوا (١٢).
قال امرؤ القيس (١٣):
(١) في (أ) " أي: قريب ".
(٢) انظر: غرائب التفسير (٢/ ١١٣٤).
(٣) في (أ) " أي: قربت ولم تبعد ".
(٤) ما بين المعقوفتين ساقط من (أ).
(٥) أخرجه ابن جرير في جامع البيان (٢٦/ ١٧٢).
(٦) قال ابن جرير - رحمه الله -: " وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره وصف هذا التائب الأواب بأنه حفيظ، ولم يخصَّ به على حفظ نوع من أنواع الطاعات دون نوع فالواجب أن يعمَّ كما عمَّ جلَّ ثناؤه، فيقال: هو حفيظ لكل ما قَرَّبَه إلى ربه من الفرائض والطاعات والذنوب التي سلفت منه للتوبة منها والاستغفار". جامع البيان (٢٦/ ١٧٣)، وانظر معاني {حَفِيظٌ} والعيون (٥/ ٣٥٢)، تفسير السمرقندي (٣/ ٣٢١)، تفسير السمعاني (٥/ ٢٤٥)، زاد المسير (٧/ ٢٤٣).
(٧) ما بين المعقوفتين ساقط من (أ).
(٨) " يا " ساقطة من (أ).
(٩) انظر: جامع البيان (٢٦/ ١٧٣)، تفسير السمعاني (٥/ ٢٤٦)، تفسير البغوي (٧/ ٣٦٣)، تفسير القرآن العظيم (٤/ ٢٤٤)، أضواء البيان (٧/ ٦٥٤)، شرح العقيدة الواسطية؛ للهرَّاس (ص: ١٥٥).
(١٠) معاني القرآن؛ للزَّجَّاج (٥/ ٣٩).
(١١) في (أ) " الذي ".
(١٢) انظر: معاني القرآن؛ للفراء (٣/ ٨٠)، جامع البيان (٢٦/ ١٧٦)، النكت والعيون (٥/ ٣٥٥).
(١٣) امرؤ القيس بن حُجْر بن الحارث الكِندي، أشهر شعراء العرب على الإطلاق، يماني الأصل، مولده بنجد، وقد اشتهر بلقبه، واختلف المؤرخون في اسمه، فقيل: حندج، وقيل: مليكة، وقيل: عدي، وكان أبوه ملك أسد وغطفان، وكثر الاختلاف في ديانته ولعل الصحيح أنه كان على المزدكية، ويعرف امرؤ القيس بالملك الضليل (لاضطراب أمره طول حياته) وذي القروح (لما أصابه في مرض موته) وكتب الأدب مشحونة بأخباره، ... وقد توفي في أنقرة سنة ثمانية قبل الهجرة. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ: الشِّعر والشُّعراء (ص: ٤١)، الأعلام (٢/ ١١).