وقيل: معناه: فما أعملَهم بأعمالِ أهل النَّار، وهو قولُ عطاء (١).
وقيل: معناه: فما أدومَهُم في النَّار، وقد يقال لمن طال حبسُه: ما أصبرَك على الحبس! لا على حقيقةِ الصَّبر، ولكن على وجوده فيه.
* * *
(١٧٦) - {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ}.
وقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ}؛ أي: ذلك العقابُ لهم بسبب أنَّ اللَّه نَزَّلَ التَّوراةَ بالحقِّ؛ أي: لا عبثًا، وأمر ببيان ما فيه، فكتَمُوه وحرَّفوه.
وقيل: أي: {ذَلِكَ} الاجتراءُ منهم على العمل الذي يُورِدُهم النَّار {بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ}؛ أي: هو تحقيقُ ما أنزلَ اللَّه في القرآن فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} البقرة: ٦، وهم باقون في النَّار.
وقيل: ذلك العقابُ لهم؛ لإنكارهم الكتابَ الذي نزلَ بالحقِّ -وهو القرآن- وكفرِهم به.
وقوله تعالى: {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ} قيل: أي: أهلَ الكتاب الذين اختلفوا في التوراة؛ أي: في تأويلها، هم فيما بينهم في خلافٍ شديدٍ، بعيدٍ عن الاتِّفاق، قد تفرَّقت بهم الآراءُ فيها، مع اتِّفاقهم على التَّديُّن بها، فلا يهولنَّكم كتمانُهم أمرَ محمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم- مع ذكرهِ فيها، قال اللَّه تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} البينة: ٤.
(١) لم أقف عليه عن عطاء، وروى الطبري (٣/ ٦٩) نحوه عن مجاهد. وروى الطبري عن عطاء أنه قال في تفسيرها: ما يُصبِّرهم على النار حين تركوا الحق واتبعوا الباطل.