وقال الإمام أبو بكرٍ القفَّال: عني به خصوصيَّةُ الاختلاطِ، وسكونُ كلِّ واحدٍ منهما إلى صاحبِه، واجتماعَهما في الثَّوبِ الواحدِ، حتَّى يكونَ كلُّ واحدٍ منهما للآخرِ في التَّضامِّ كاللِّباس، وعلى هذا المعنى يقال لامرأةِ الرَّجل: فراشه وإزاره، وقال النابغةُ الجَعْديُّ:
لبِستُ أناسًا فأفنيتُهم... وأفنيتُ بعد أناسٍ أُناسَا
وقال أيضًا (١) في هذه القصيدة:
إذا ما الضجيعُ ثنى جِيدَها... تَداعَتْ فكانت عليه لِباسَا (٢)
وقوله تعالى: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} أي: كان اللَّهُ تعالى عَلِم في الأزل أنَّكم تكونون خائنين أنفسَكم في مباشرة النساءِ في ليالي الصَّوم، والخيانةُ ضدُّ الأمانة، وقد ائتمنَ اللَّهُ تعالى العبادَ على ما أمرَهم به ونهاهم عنه، فإذا عصَوهُ في السِّرِّ، فقد خانوه، وقد قال اللَّه تعالى: {لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ} الأنفال: ٢٧.
وقد رويَ أنَّه وقع ذلك لعمر رضي اللَّه عنه، وقال له النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- غداة إذٍ: "ما كانت جديرًا لهذا يا عمر"، ونزلت الآية في شأنه (٣)، وصارت زلَّتُه سببًا للرَّحمةِ في حقِّ (٤) جميع الأمَّة.
وقوله تعالى: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ}؛ أي: قَبِلَ توبتكُم فيما وقعَ لكم مِن ذلك.
(١) لفظ: "أيضًا" من (ف).
(٢) انظر: "الشعر والشعراء" لابن قتيبة (١/ ٢٩٥ - ٢٩٦)، و"ديوان النابغة الجعدي" (ص: ٩٨ - ١٠٠)، وعجز الأخير فيهما: تثنت عليه فكانت لباسا.
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" (٣/ ٢٣٧)، وانظر "تفسير الثعلبي" (٢/ ٧٦).
(٤) لفظ: "حق" من (أ).