وقيل: هو تنبيهٌ أنَّ الغنيَّ يُفارِقُ مالَه (١) بالموتِ، فليبادرِ الفوتَ.
ولَمَّا نزلَت هذه الآيةُ قال أبو الدحداح عمرُ بن الدَّحداح الأنصاريِّ: يا رسول اللَّه، إنَّ اللَّهَ تعالى يَستقرِضُنا وهو غنيٌّ عن القرض؟ قال: "نعم، يريدُ أنْ يُدخِلَكم بذلك الجنَّة"، قال: فإنْ أقرضتُ اللَّهَ قرضًا، تضمنُ لي به الجنة؟ قال: "نعم"، قال: وزوجتي؟ قال: "نعم، وزوجتك"، قال: وصبياني؟ (٢) قال: "اللَّه واسعٌ كريمٌ، نعم يا أبا الدحداح"، قال: فإنِّي أشهِدُكَ أنِّي جعلتُ حائطَيَّ للَّه قرضًا، قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّا لم نسألكَ كليهِما، فاجعل أحدَهما للَّه تعالى، والآخرَ معيشةً لك ولعيالك"، قال: فإنِّي قد جعلتُ خيرَهما للَّه، قال: "إذًا يَجزيكَ اللَّهُ به الجنَّة"، فانطلقَ أبو الدَّحداحِ حتَّى أتى أمَّ الدَّحداح وهيَ مع صبيانِها في الحديقة تدورُ تحت النَّخلة، فأنشأ يقول:
هداكِ ربِّي لسُبُلَ الرَّشادِ... إلى سبيلِ (٣) الخيرِ والسَّدادِ
بيني مِن الحائطِ لي بالواد... فقد مضى قرضًا إلى التَّنادِ
أقرضتهُ اللَّهَ على اعتمادِ... بالطَّوع لا مَنٍّ ولا ارتدادِ
إلى رَجا التَّضعيفِ (٤) في الميعادِ... فارتحلي بالنَّفسِ والأولادِ
والبِرُّ لا شكَّ فخيرُ زادِ... قدَّمهُ المرءُ إلى المعادِ
قالت أم الدَّحداح: أمَّا إذا بعتَ مِن اللَّه ورسوله، فبَيعٌ مربحٌ لا يُقَال ولا يُستقال، وايم اللَّه لولا ذلك لم تملك إلا حصتك فأنشأ أبو الدحداح يقول:
(١) في (ر): "لمفارق لماله"، وفي (ف): "لمفارق ماله" بدل: "يفارق ماله".
(٢) بعدها في (ر): "قال: وصبيانك".
(٣) في (ر): "طريق".
(٤) في (ر): "رجاء الضعف".