فإنه لا يجوز هذا إلَّا من اللَّه تعالى، قال تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} فاطر: ٣، فأمَّا قوله تعالى: {أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} المؤمنون: ١٤، فمعناه: أحسنُ المقدِّرين، على ما قلنا.
قوله تعالى: {مِنَ الطِّينِ}: هو مجموعُ الماءِ والتُّرابِ.
قوله تعالى: {كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ}؛ أي: كصورةِ الطَّائر، والطَّير للواحد هاهنا، ولذلك قال: {فَأَنْفُخُ فِيهِ} على التذكير، وقال في (سورة المائدة): {فَتَنْفُخُ فِيهَا} المائدة: ١١٠، وذلك يرجع إلى الهيئة.
وقيل: {فِيهِ} يرجع إلى الطِّين.
قوله تعالى: {فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ}: قرأ نافع: {طائرًا} (١)؛ أي: يطير، وقرأ الباقون: {طَيْرًا}؛ أي: يصير طيرًا بإذن اللَّه؛ أي: يقلِبُ اللَّهُ جسمَه الذي كان طينًا فيجعلُه لحمًا ودمًا، ويخلق فيه الحياة.
قوله تعالى: {بِإِذْنِ اللَّهِ}؛ أي: بتكوينِ اللَّهِ إيَّاه بلا علاجٍ؛ كقوله (٢) تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} آل عمران: ١٤٥؛ أي: يخلق (٣) اللَّه فيه الموت.
وقال الضحَّاك ومقاتل: هو الخفَّاش (٤).
وقيل: فيه أعاجيب؛ يبكي ويضحك (٥)، ويحمل ويلد ويُرضع، ويطير من غيرِ
(١) انظر: "التيسير" للداني (ص: ٨٨).
(٢) في (ر): "لقوله".
(٣) في (أ): "أي بخلق"، وفي (ف): "أي إلا يخلق".
(٤) رواه الطري في "تفسيره" (٥/ ٤٢٠)، وابن المنذر في "تفسيره" (١/ ٢٠٧) عن ابن جريج. وذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" (١/ ٢٨٤) عن ابن عباس وأبي سعيد الخدري رضي اللَّه عنهم.
(٥) في (أ): "هو يضحك ويبكي"، بدل: "يبكي ويضحك".