(٨٦) - {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
قوله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ}: {كَيْفَ} استفهامٌ بمعنى الإنكار؛ أي: لا يهديهم، ونظيرُه قول الشاعر:
فهذي سيوفٌ يا صُدَيُّ بنَ مالكٍ... كثيرٌ ولكنْ أينَ بالسَّيفِ ضارِبُ (١)
(أين) استفهامٌ، ومعناه الجحدُ هاهنا؛ أي: ليس.
ثم هذا في الظاهر عطفُ فعلٍ على اسمٍ، ولا يتَّفقان، فيُحمل الفعل على المصدر، أو المصدر على الفعل؛ ليتَّفقا؛ لأنَّ المراد ذلك، فيحمل على المعنى المراد، ونظيره عطف الماضي على المستقبل وعلى العكس، ووجهُه حمل أحدهما على وفق الآخر.
والتَّقديرُ هاهنا: بعد إيمانهم وشهادتهم أنَّ الرَّسولَ حقٌّ، ومجيءِ البيِّنات إيِّاهم، أو بعد أن آمنوا وشهدوا وجاءهم، وعطفُ الماضي على المستقبل كما في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، ونظير الأوَّل قول امرئ القيس:
بكى صاحبي لَمَّا رأى الموتَ دونَه... وأيقنَ أنَّا لاحقان بقيصرا
فقلْتُ له لا تَبْكِ عينُكَ إنَّما... نحاولُ ملكًا أو نموتَ فنُعذَرا (٢)
أي: نحاول أن نملكَ أو نموت، أو نحاول ملكًا أو موتًا.
(١) البيت بلا نسبة في "معاني القرآن" للفراء (١/ ١٦٤)، و"المذكر والمؤنث" لابن الأنباري (١/ ٢٠٤)، و"أمالي ابن الشجري" (١/ ٤٠٨).
(٢) انظر: "ديوان امرئ القيس" (ص: ٩٦). ووقع في (ر) و (ف): "تحاول" و"تموت فتعذرا".