وقال آخر:
فَمَا لَكَ فيها غيرُ ذكرَى وحسرةٍ... وتَسألَ عن ركبانِها أينَ يَمَّمُوا (١)
أي: غير ذكرى وحسرةٍ وسؤالٍ، أو غير أن تتذكَّر وتتحسَّر وتسأل.
ثم معنى الآية عند بعضهم على نظم ما سبق من الآيات: كيف يهدي اللَّه اليهودَ وقد كفروا بعد إيمانهم بمحمَّد قبل مبعثه، وكانوا يستفتحون به على الكفَّار، فلما جاءهم هو وقد (٢) كانت قد جاءتهم البينات في التَّوراة كفروا به.
وعن الحسن البصري: {وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ}؛ أي: القرآن (٣).
وعند بعضهم: هذا في المرتدِّين على ما روينا.
قوله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}: هؤلاء ظالمون حين وضعوا الجحود غيرَ موضعه وهم (٤) مختارون لذلك، واللَّه لا يهدي من اختار الضلال.
وقيل: لا يهديهم طريقَ الجنَّة إذا ماتوا كفَّارًا، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (١٦٨) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ} النساء: ١٦٨.
وقيل: معنى الآية: كيف يكونون مهتدين كما يزعمون وقد كفروا.
وقيل: كيف يهديهم للإيمان حالة الكفر.
وقال الإمام أبو منصورٍ رحمه اللَّه: دلَّت الآية أن استطاعةَ الفعلِ مع الفعل،
(١) البيت بلا نسبة في "معاني القرآن" للفراء (٢/ ٤٢٣)، و"تفسير الطبري" (٢٠/ ٢٣٦).
(٢) "قد" ليست في (أ).
(٣) روى ابن أبي حاتم في "تفسيره" (١/ ٢٦٩) في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ}، عن الحسن قال: قال: "الكتاب: القرآن".
(٤) في (ر): "فهم".