الجاهليَّة يضربُ بعضُكم رقابَ بعضٍ، فألَّف بينَ قلوبِكم بالإسلام، فصرتم بإنعامِه عليكم أخلَّاءَ في الدِّين، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} الملك: ١٠.
و (أصبح) أصلُه: دخل في الصَّباح، وأمسى: دخل في المساء، ثم يُطلَق كلُّ واحدٍ منهما على الصَّيرورةِ أيَّ وقتٍ كانَ، قال اللَّه تعالى: {فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} المائدة: ٣١، {فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِين} المائدة: ٣٠، {أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا} الملك: ٣٠.
وكان بين الأوس والخزرج حربٌ في مدَّة مئةٍ وعشرين سنةً، فألَّف اللَّهُ بينَ قلوبِهم بالإسلام، فزالَتْ تلكَ الأحقادُ.
ورُوي أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- خرج يومًا على حماره يعفور، وكان يعفور إذا رأى منافقًا ردم ردمةً (١)، فمرَّ على عبد اللَّه بن أُبيٍّ المنافق، ففعل كذلك.
وقيل: كان النبيُّ عليه السلام نزلَ، ووقف الحمارُ على الطَّريق، فمرَّ عبدُ اللَّه به (٢)، ففعل كذلك، فقال عبد اللَّه لسايس الحمار: نحِّ الحمارَ فإنَّه يؤذينا، فقال سعدُ بن معاذٍ الخزرجيُّ: أتقولُ هذا لحمار رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يا ملعونُ؟ فأجابه بشيءٍ، وتعدَّى ذلك إلى المناظرة بين الأوس والخزرج.
فقالت الأوسُ: منَّا خزيمةُ بنُ ثابت ذو الشَّهادتَين، ومنَّا حنظلةُ غسيل الملائكة، ومنَّا سعدُ بن معاذٍ الذي اهتزَّ لموته العرشُ، ورضي اللَّه بحكمِه في بني قريظة.
وقالت الخزرج: منا أربعة أحكموا القرآن؛ أبيُّ بن كعبٍ، ومعاذُ بن جبلٍ، وزيدُ بن ثابتٍ، وسعدُ بن عبادة خطيب الأنصار.
(١) في هامش (أ): "أي: ضرط".
(٢) "به" ليس في (ف).