قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}: انتظام هذه الآية بما قبلَها: أنَّه أمرَ بالأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر أوَّلًا، ثم مدحَ في هذه الآية هذه الأمَّة بالأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر.
و {كُنْتُمْ} قد مرَّ في قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ} البقرة: ٢٣ أنَّه يجيء على ثلاثة أوجهٍ: للماضي، والحالِ، والاستقبال (١)، وبيَّنَّا أصلَه.
واختُلف فيه هاهنا:
قال الضَّحَّاك: كنتم في اللَّوح المحفوظ (٢).
وقيل: كنتم في سابق (٣) علمي وحكمي.
وقيل: أي: في كتب الأنبياء؛ قال تعالى: {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ} الفتح: ٢٩؛ أي: صِفَتهم.
وقيل: أي: كنتم مذ كنتم خير أمَّةٍ، كقولك لآخر: كنْتَ مذ كنْتَ مباركًا؛ يعني: مذ خرجتم وآمنتم كنتم خير أمَّةٍ، وأنتم اليومَ كذلك.
وقيل: معناه: حَدَثْتم ووُجِدْتُم خيرَ أمَّة، كقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} البقرة: ٢٨٠.
وقيل: معناه: أنتم خيرُ أمَّةٍ، كما في قوله تعالى: {أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ} ص: ٧٥، وقال تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا} الأعراف: ٨٦ مع أنه قال تعالى في آيةٍ أخرى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ} الأنفال: ٢٦، وإنما صلح
(١) في (أ): "وللحال وللاستقبال".
(٢) عزاه الطبري في "تفسيره" (٥/ ٦٧٦) لبعض أهل العربية، وذكر قولين آخرين غيره ورجحهما عليه.
(٣) "سابق" ليس في (ف).