قوله تعالى: {وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا}: فإنَّهم كانوا يقولون: نحن نؤمن باللَّه وكتبه ورسله، ويُلبِّسون ذلك، وكانوا يقولون: نحن على ذلك، لكنْ محمَّدٌ ليس بنبيٍّ، وما يتلو ليس بكتابٍ منزَلٍ.
قوله تعالى: {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}: أي: إذا صاروا إلى أهل دينهم عَضُّوا أناملَهم -أي: رؤولسَ أصابعهم، جمع أَنمَلة بفتح الميم هو الصَّحيح في اللغة- غيظًا مِن اجتماع كلمتِكم وائتلافكم على دينكم، كما يفعله المتناهي في غيظه -وهو الغضبُ الكامن (١) في القلب- العاجز عن إنفاذه.
وقال الكلبيُّ والضحَّاكُ ومقاتلٌ: الآية في المنافقين (٢)، ومعناه: أنتم تظهرون لهم المحبَّة اعتمادًا منكم على ظواهرهم من إظهارهم الإيمان، وهم لا يحبُّونكم في الباطن، وتؤمنون (٣) بالكتاب كلِّه وتأخذون بكلِّ ما في القرآن ولا تنافقون ولا تضمرون خلاف ما تظهرون، وهم يخالفون ذلك، {وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}، وهو كما مرَّ في سورة البقرة.
قوله تعالى: {قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ}: هذا توبيخٌ، يُقال ذلك لمن لا فرَجَ له يُرجى، ومعناه: أنَّ الموت دون ما يرجون.
وقيل: أي: دُوموا على هذا إلى أن تموتوا.
وقيل: أي: أماتكم اللَّه بغيظكم، لفظُ أمرٍ بمعنى الدعاء.
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}؛ أي: بعداوة الصُّدور.
(١) في (أ): "الكائن".
(٢) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (٣/ ٧٤٤ - ٧٤٥) عن مقاتل والحسن.
(٣) في (ف): "ولو أنهم يؤمنون".