الفقير، فرأى أنَّ الفقيرَ لا يَظلِمُ الغنيَّ، فأبى اللَّهُ إلَّا أن يَقومَ بالقسط في الغنيِّ والفقير، فأنزل اللَّهُ تعالى هذه الآية (١).
* * *
(١٣٦) - {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}.
وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} اعترضَ بعضُ الملحِدين على هذه الآية فقال: كيف أمرَ اللَّهُ تعالى أهلَ الإيمانِ بالإيمان؟ وعنه أجوبةٌ:
أحدها: قولُ ابنِ عبَّاسٍ رضي اللَّه عنهما: إنَّ نزولَها في مؤمني أهل الكتاب؛ عبدِ اللَّه بن سلام وأصحابه، قالوا: يا رسول اللَّه، إنَّا نؤمنُ بك وبكتابِك، وبموسى وهارون وعزير، ونَكفرُ بما سواهُ (٢)، وظنُّوا أنَّ ذلكَ القَدْرَ يكفيهم في كمال إيمانِهم، فنزلَت (٣) الآية، وبيَّنَ اللَّهُ تعالى أنَّ الكفرَ بالبعضِ محبِطٌ للإيمان ببعض، قال تعالى: {وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ} النساء: ١٥٠، ثمَّ قال: {أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} النساء: ١٥١.
وجوابٌ آخرُ: قولُ أبي العالية: إنَّ نزولَها في اليهود، كانوا آمنوا بالنبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قبلَ خروجِه، وكانوا يَستفتحون به، فلمَّا خرجَ كفروا به، فأُمِروا بالإيمان به.
وجوابٌ آخر: قولُ الحسن: إنَّ اللَّهَ تعالى أخبرَ عن اليهود، فقال: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ
(١) انظر: "النكت والعيون" للماوري (١/ ٥٣٥).
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٣/ ٤٠١) عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس. وهو إسناد تالف.
(٣) بعدها في (ر): "هذه".