(٧١) - {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ}.
وقوله تعالى: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} قرأ أبو عمرو وحمزةُ والكسائيُّ بالرَّفع، وتقديرُه: أنَّه لا يكونُ، والباقون بالنَّصب (١). بأن يقول: أصرُّوا على الذُّنوب، وظنُوا لطولِ إمهالِ اللَّه إيَّاهم ألَّا يقع عليهم من اللَّه عقوبة، من قوله: {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} الذاريات: ١٤ (٢).
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: قال قائلون: الفتنةُ: المحنة؛ أي: حسِبوا ألَّا تأتيَهم الرُّسلُ بامتحانِهم على خلافِ ما أحدَثوا بهوى أنفسِهم (٣).
وقوله تعالى: {فَعَمُوا وَصَمُّوا}؛ أي: ألِفوا المعاصيَ، فصاروا لرَين القلوبِ عُميًا، فلا يُبصِرون قبحَها، وصمًّا، فلا يَسمعون وعظَ النَّاهي عنها.
وقوله تعالى: {ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ}؛ أي: ثمَّ أرسلَ اللَّهُ رُسُلًا، فأجابوهُم، وتابوا للَّه، فقبِلَ اللَّهُ توبتَهم.
وقوله تعالى: {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا}؛ أي: ثمَّ امتدَّتِ المهلةُ، فعادوا إلى المعاصي، وألفوها، فصاروا كما كانوا عُميًا وصُمًّا، وهو كقولهم: حبُّك الشَّيءَ يعمي ويُصِمُّ (٤).
وقوله تعالى: {كَثِيرٌ مِنْهُمْ} جمعَ الفعلَ مع التَّقدُّم على الفاعل؛ لأنَّه فعلُ
(١) انظر: "السبعة" (ص: ٢٤٧)، و"التيسير" (ص: ١٠٠).
(٢) من قوله: "بأن يقول أصروا" إلخ لعل موضعها قبل ذكر قراءة أبي عمرو ومن معه.
(٣) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٣/ ٥٦١).
(٤) انظر: "جمهرة الأمثال" للعسكري (١/ ٢٨٨).