قومٍ تَقدَّم ذِكرُهم (١)، ثمَّ قولُه: {كَثِيرٌ مِنْهُمْ} تفسيرُ قدرِ فاعلِيهِ؛ كما في قوله: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} الأنبياء: ٣، هذا تفسيرُ وصفِ فاعلِيه.
وقيل: هو على لغةِ بعض العرب، وهو جمعُ الفعلِ مع التقدُّم، يقولون: ذهبوا أصحابُك، قال الشاعر:
ألْفَيَتا عيناكَ عند القَفا... أوْلَى فأوْلَى لكَ ذا واقِيَهْ (٢)
وقال الزَّجَّاج: {كَثِيرٌ} خبرٌ لابتداءٍ محذوف؛ أي: العميُ والصُّمُّ كثيرٌ منهم (٣).
ثمَّ إنَّما ذكرَ الكثيرَ لا الكلَّ؛ لأنَّ مِنهم مَن أبصر وسمع، فآمنَ وتبعَ ووفَّى بالعهد ولم يمتنع.
وقوله تعالى: {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ}؛ أي: بأعمال الأسلاف والأخلاف، فيُجازِيهم على الاستحقاق في الوِفاقِ والخلاف.
وقال مجاهد: فـ {تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} تجاوزَ عنهم برفع البلاء (٤).
وقيل: {فَعَمُوا وَصَمُّوا} بعدَ موسى، {ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} على عهدِ عيسى، {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا} بعد عيسى.
(١) بعدها في (ف): "ثم ذكرهم".
(٢) البيت لعمرو بن مِلْقَط من قصيدة له، ذكرها أبو زيد في "النوادر" (ص: ٦٢)، وعبد القادر البغدادي في "الخزانة" (٩/ ٢١) قال البغدادي: ألفيتا؛ أي: وجدتا، وقوله: أولى لك، كلمةُ وعيدٍ وتهديد، والواقية: مصدر بمعنى الوقاية. يصفُه بالهروب، ويقول: أنت ذو وقايةٍ مِن عينيك عند فرارك، تَحترِسُ بهما، ولكثرة تلفُّتِك إلى خلفك حينئذٍ، صارت عيناك كأنهما في قفاك.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للزجاج (٢/ ١٩٦).
(٤) في (أ): "البلايا".