فنصطادُ مِن صيد البحر، وربَّما مدَّ البحرُ حتَّى يعلوَ الماءُ كلَّ شيءٍ، ثمَّ يَرجعُ، ويَبقى السَّمكُ بالأرضِ، ويذهبُ الماء عنه، فنصيبُه ميتًا فنأكلُه، فحلالٌ لنا أكله؟ فأنزلَ اللَّهُ تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} ما حسرَ عنهُ الماءُ وألقاه (١).
ولفظة {مَتَاعًا لَكُمْ} يقول: منفعة لكم {وَلِلسَّيَّارَةِ} المسافرين، {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ}؛ أي: في الاصطياد في الحرم والإحرام، {الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} تُبعَثون فيَجزيكم بأعمالِكم.
* * *
(٩٧) - {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.
وقوله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ} لمَّا حرَّمَ الاصطيادَ في الحرم والإحرام، وكان ذلك لحرمةِ البيتِ الحرامِ، عقَّبهُ ذكرَه.
والكعبة سُمِّيَت بها لتكعُّبها؛ أي: لتربُّعِها، قاله مجاهدٌ وعكرمة رحمة اللَّه عليهما (٢).
وقيل: لكُعوبها؛ أي: لنتوئها، من قولهم: جاريةٌ كاعِبٌ، إذا نتأَ ثدياها.
وقيل: لشرفها، مِن قولهم: أعلا اللَّهُ تعالى كعبَه؛ أي: شَرَفَهُ، وهو مِن كعب القناة، وهو أنبوبُها، وتكعُّبها (٣): علوُّها وارتفاعُها.
وقوله: {الْبَيْتَ الْحَرَامَ} ترجمةٌ وبدلٌ عنها، والقِيامُ: العِماد والمِلَاكُ، وكذلك القِوام، وهو ما يَستقيمُ به الشَّيء.
(١) لم أقف عليه عن ابن عباس، وأورده القدوري في "التجريد" (١٢/ ٦٣٦٣) (٣١٣٧٤) من قول أبي السائب.
(٢) روى قوليهما الطبري في "تفسيره" (٩/ ٥ - ٦).
(٣) في (أ) و (ر): "وبكعوبها".