وقوله تعالى: {وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ} هذا جنسٌ أريدَ به الجمعُ، وهو الأربعةُ الأشهر الحُرُم؛ رجب، وذو القَعدة، وذو الحِجَّة، والمحرَّم.
وقوله تعالى: {وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ} فسَّرناهُما في أوَّلِ هذه السورة (١)، يقول: {جَعَلَ اللَّهُ} في حكمِه وشرعِه على ألسنةِ أنبيائه {الْكَعْبَةَ} قِوامًا لأمورِ النَّاس، ونِظامًا لها، وكذلك جعل الأشهرَ الحُرُمَ والهديَ والقلائدَ التي تُوجَّه (٢) إلى الكعبة، يأمنون بقصدِ الكعبةِ، ودخولِ هذه الأشهُر، وتوجيهِ الهدايا إلى مكَّة شرَّ كلِّ ذي شرٍّ.
ويَحتمِلُ قوله: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ}؛ أي: جَبَلَ القلوبَ على ذلك، وجمعَهُم عليه.
وقال مجاهد (٣): جعلَها اللَّهُ {قِيَامًا لِلنَّاسِ} حين لا يَرجون جنَّةً، ولا يَخافون نارًا، وشدَّدَ اللَّهُ تعالى ذلك بالإسلام (٤).
وقوله تعالى: {ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}؛ أي: قد عَلِمَ اللَّهُ تعالى في الأزلِ أنَّ العربَ يكونُ بينَهم سفكُ الدِّماء والتَّباغي، فجعلَ الكعبةَ مأمنًا؛ ليتوصَّلوا بها إلى إقامةِ معايشِهم ولا يَتفانوا (٥).
* * *
(٩٨) - {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
وقوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}؛ أي: لمَنْ كفرَ وعصى، وأزالَ
(١) عند تفسير الآية الثانية منها.
(٢) في (ر): "يوجه بها" بدل: "توجه".
(٣) في (ر): "مقاتل".
(٤) رواه الطبري في "تفسيره" (٩/ ٨).
(٥) قوله: "ولا يتفانوا": ليس في (ف)، وفي (أ) مكانها: "ويتفانوا".