الأمْنَ عن النَّاس مع هذه المعاني الأربعةِ، واعتدى، {وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}؛ أي: لمَن آمنَ واتَّقى، وحفِظ الحقوقَ وراعى.
وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: {شَدِيدُ الْعِقَابِ} للخواصِّ إنْ زاغوا عن الشُّهودِ لحظةً، {غَفُورٌ رَحِيمٌ} للعوامِّ إنْ رجَعوا إليه بتوبَةٍ وحسرة.
* * *
(٩٩) - {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ}.
وقوله تعالى: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ}؛ أي: تبليغُ الأمرِ والنَّهي، والوعدِ والوعيدِ، وليس عليه الحملُ على الطَّاعة جبرًا، والمنعُ عن المعصية كُرهًا.
وقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ}؛ أي: بالألسنة، {وَمَا تَكْتُمُونَ}؛ أي: بالأفئدة.
وقيل: {مَا تُبْدُونَ} مِن الطَّاعة، {وَمَا تَكْتُمُونَ} من المعصية.
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: أي: لا ضررَ عليه في تركِ القومِ إجابتَه، وهو كقوله تعالى: {فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} النور: ٥٤.
قال: والآيةُ ردٌّ على مَن يقول: لا ينجع قول الواعظِ إذا لم يَعمَل بعلمِه، فإذا كان يَعملُ به ينجع قوله؛ فإنَّه ليس أحدٌ مِن الخلقِ أشدَّ استعمالًا للعلمِ مِن الأنبياء، ولم ينفع مواعظُهم في (١) قومهم؛ لشؤمِهم ولشِدَّةِ تعنُّتِهم.
وقال في قوله: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ}؛ أي: من المكر له (٢)، والقصدِ إلى قتله، قال تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} الأنفال: ٣٠، كلَّما همُّوا به،
(١) بعدها في (ر): "بعض".
(٢) في (ر) و (ف): "به".