ثم إنه (١) قال: "اتركوني ما تركتُكم، فإذا أمرتُكم بشيءٍ فأتوا منه ما استطعتُم، وإذا نَهيتُكم عن شيءٍ فاجتنبوه" (٢).
وروى أبو هريرة رضي اللَّه عنه عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه قال: "اتركوني ما تركتُكم، فإذا حدَّثتُكم فخذوا عنِّي فإنَّما هلكَ مَن كان قبلَكم بكثرةِ سؤالِهم واختلافِهم على أنبيائهم" (٣).
وقال القفَّالُ رحمَه اللَّه: إنَّ المؤمنين كانوا يَسألون رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أشياءَ مِن الغيب ومن (٤) المعجزات بإشارة اليهود، كما قال: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ} البقرة: ١٠٨، فنُهوا عن ذلك، وهو السُّؤال عن أمورٍ لا حاجةَ لهم بها، وعن اقتراح آياتٍ بعد وقوعِ الكفاية بمعجزاتٍ ظهَرَت لهم مِن غير سؤال.
وقوله تعالى: {إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}؛ أي: إنْ تَظهَر لكم تُحزِنكُم، كما ظهرَ لذلكَ السَّائِلِ أنَّ أباهُ في النَّار، وفي ظهور الآياتِ المقترحة أيضًا ما يَسوؤهم؛ فإنَّهم لو خالفوا بعدَ ذلك أُهلِكوا، كما قال في آخرِ هذه السُّورة: {فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ} الآية.
وعلى هذا التفسير يكون قولُه: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ}؛ أي: ليس عليه إيرادُ الآياتِ على جهة الاقتراح.
وقوله تعالى: {وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ}؛ أي: وإنْ تَسألوا (٥) عن أشياء بعد نزولِ القرآن بها وفيها إشْكالٌ، {تُبْدَ لَكُمْ}؛ أي: تَظهَر لكم، وهذا إطلاقٌ للسُّؤالِ عند الإنزالِ لحلِّ الإشكال، وتوبيخٌ لهم على السُّؤال فيما لا حاجةَ إليه في الحال.
(١) لفظ: "إنه" من (ف).
(٢) روإه الطبري في "تفسيره" (٩/ ٢٠ - ٢١) من حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما دون ذكر الأقرع بن حابس، ورواه مع تعيينه النسائي في "سننه" (٢٦٢٠) مختصرًا.
(٣) رواه مسلم في "صحيحه" (١٣٣٧).
(٤) في (ف): "وعن".
(٥) في (ف): "واسألوا" بدل: "أي وإن تسألوا".