قوله تعالى: {إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ}؛ أي: مُكذِّبين، ولذلك ذكرَ التَّكذيبَ فيما بعدَهُ، وهو قوله: {فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ}، قال ابنُ عبَّاسٍ رضي اللَّه عنهما: أي: بالقرآنِ، وبمحمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وقال مقاتل: {فَقَدْ كَذَّبُوا}؛ أي: أبو جهلٍ، والوليدُ وأميَّةُ بنُ خلف.
وقوله تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}؛ أي: أخبارُ ما كانوا يَسخرون به مِن آياتِ اللَّه تعالى بنزولِ العقوبةِ بمَن جحدَها.
وقيل: أي: سيَحِلُّ بهم مِن العقوبةِ ما تَنتشرُ به الأخبار، سمَّى ما يُخبِرُ به خبرًا على المجاز.
وقوله: {مَا كَانُوا}؛ أي: يَظهرُ لهم عند حلولِ العقوبةِ غلطُهم فيما كان مِنهم، وهو عقوبةُ الماضي والرَّاهن جميعًا، وقد جرى عليهم في يوم بدرٍ وغيرِه ما جرى، وقد قال تعالى: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} الحجر: ٩٥، ونُبيِّنُ تفصيلَ ذلك في تلك الآيةِ إنْ شاءَ اللَّهُ تعالى.
وقال الإمامُ أبو منصورٍ رحمَه اللَّه: {بِالْحَقّ}؛ أي: بنفسِ محمَّدٍ؛ فإنَّ نبيَّنا عليه الصَّلاة والسَّلام مِن أوَّلِ نُشوئِه إلى آخرِ عمره (١) عُصِمَ، فلَم يأتِ منه ما يُستقبَحُ قَطّ، فدلَّ أنَّ ذلك إنَّما كان لما جعله اللَّه آيةً في نفسِه، وموضعًا لرسالتِه (٢)، مع ما كان له من آياتٍ عظيمةٍ، وأعلامٍ عجيبةٍ.
وقال في قوله: {فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} كان النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أوعدَهمُ العذابَ، فقالوا: {عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا} ص: ١٦، وقال تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ}
(١) في (أ): "عهده".
(٢) "لرسالته": ليس من (أ).