وقال ابنُ عبَّاس رضي اللَّه عنهما: ثمَّ لم تكنْ معذِرتُهم (١) حين قيل لهم: أين شركائي الذين كنتم تزعمون؟ {إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}، فكذا قال قتادة (٢)، ووجهُه: عذرُ فتنتِهم؛ أي: شركهم في الدنيا، قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ}.
وقيل: سمَّى المعذرةَ فتنةً؛ لأنَّها صارت بليَّةً لزمتهُم بها الحجَّةُ وعذابًا.
وقال الزَّجَّاج: معناه: ثمَّ لم تكن عاقبةُ {فِتْنَتُهُمْ}؛ أي: كفرهم، إلَّا تبرؤهم عنها بقولهم: {مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} (٣).
وقوله تعالى: {مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}؛ أي: عند أنفُسِنا، بل كنا موحِّدين بإقرارِنا أنَّ الخالقَ واحدٌ والرَّازقَ واحد، وإنَّما عبدنا الأصنامَ ليقرِّبونا إلى اللَّه زُلْفى.
وقال الحسن: هذا في المنافقين، كانوا يَكذبون في الدُّنيا، ويَروجُ كذبُهم، فيَظنُّونَ في الآخرة أنَّه يَرُوج كذبهم، فيقولون ذلك (٤)، وهو كقوله: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ} المجادلة: ١٨.
وقال مجاهد ومقاتل: هذا قولُ جميع المشركين إذا جمع اللَّه الخلائق، ورأى المشركون سعة رحمةِ اللَّه، وشفاعةَ الرَّسول للمؤمنين، قال بعضُهم لبعض: تعالَوا نكتمُ الشِّرك؛ لعلَّنا نَنجو مع أهل التَّوحيد، فإذا قال اللَّه تعالى لهم: {أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٢٢) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}، فيَختمُ اللَّهُ على أفواههم، فتَشهدُ عليهم أيديهم وأرجلُهم (٥).
(١) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (٤/ ١٢٧٣) (٧١٧٥) معلقًا.
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (٩/ ١٩١).
(٣) انظر: "معاني القرآن" للزجاج (٢/ ٢٣٦).
(٤) ذكره الماتريدي في "تأويلات أهل السنة" (٤/ ٤٤).
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" (١/ ٥٥٥)، ورواه الطبري في "تفسيره" (٩/ ١٩٤)، وابن أبي حاتم في =