(٢٤) - {انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}.
وقوله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} قيل: يقولُ اللَّه تعالى حينئذٍ لمحمَّدٍ عليه الصَّلاة والسَّلام: انظر كيف كذَبوا على أنفسِهم بقولهم: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}.
وقوله تعالى: {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}؛ أي: تلاشى افتراؤهم: إنَّا نعبدُهم ليَشفعوا لنا، فلم يَحصل ذلك لهم.
وقيل: أي: اشتغلَ عنهم الآلهةُ التي كانوا يَفترون على اللَّهِ بجعلِها شركاءَ للَّه، فعلى الأوَّل {مَا} للمصدر، وعلى الثَّاني للاسم.
وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: هذا الذي أخبرَ عنهم غايةُ التَّمرُّد؛ حيث جَحَدوا وعلى ذلك أقسموا، ولو كان لهم باللَّه عِلْمٌ لتَحقَّقوا بأنَّه يَعلمُ سرَّهُم ونجواهم، فلا يَخفى عليه شيءٌ مِن أولاهم وأُخراهم، لكنَّ الجهلَ الغالب عليهم استنطقَهم بما رجعَ بالفضيحةِ عليهم (١).
* * *
(٢٥) - {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}.
وقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ}؛ أي: ومِنْ هؤلاء الظَّالمين مَن يَستمِعُ إليك كالمُظهرِ للقَبول والانقياد، وهو مُصِرٌّ على الجحودِ والعناد.
وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ}؛ أي: أغطيةً، جمع كِنان، وهو الغطاء، وقد كنَّ الشَّيء إذا صانه، وأكنَّه؛ أي: غطَّاه. وقوله تعالى: {وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا}؛
= "تفسيره" (٤/ ١٢٧٤) (٧١٨٢) عن مجاهد.
(١) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (١/ ٤٦٥).