وقوله تعالى: {وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ}؛ أي: يتباعدون بأنفسِهم عنه.
وقيل: {يَنْهَوْنَ} عن القرآن والإصغاءِ إليه، {وَيَنْأَوْنَ} عن العملِ به، فقد سبقَ ذكرُه عند قوله: {أَنْ يَفْقَهُوهُ}، وذلك كنايةٌ عن القرآن، وهذا قول قتادة (١).
وقال الكلبيُّ: {يَنْهَوْنَ عَنْهُ} عن محمَّدٍ مَن سألَهم عنه؛ أنْ يَقربوهُ ويتَّبعوهُ، ويَتباعدون عنه، فلا يتَّبِعونه (٢).
وقال ابنُ عبَّاسٍ رضي اللَّه عنهما: نَزلت في أبي طالب؛ كان يَنْهى أن يُؤذَى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويَنأى عمَّا جاءَ به (٣).
ورويَ أنَّ قريشًا لمَّا همَّت بقتلِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وعَلِم به أبو طالب، قال للنَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: أعلمْتَ أنَّ قريشًا همت بقتلك؟ قال: "نعم"، قال: ومن أنبأكَ به، وهذا أمرٌ خفيٌّ؟! قال: "أنبأني به ربي، قال تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية الأنفال: ٣٠ "، فقال أبو طالب: نِعْمَ الرَّبُّ ربُّك يا محمَّد، فأوصيك به (٤)، ثم خرج أبو طالب وقال للملأ وهُمْ مجتمِعون: يا قوم، إنَّ محمدًا ابنُ أخي وولدي، ومَن همَّ به فأنا مُزهِقٌ روحَه، فطمعَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في إيمانِه، فجاءَ يُحَرِّضُه على الإسلام، فقال أبو طالب:
ودَعَوتَني وزعمتَ أنَّك ناصِحي... ولقد صَدَقتَ وكنتَ قبلُ أمينَا
وعرضتَ دينًا لا محالةَ أنَّه... مِن خيرِ أديانِ البَرِيَّةِ دِيْنَا
لولا الغضاضَةُ أو تكونَ مَسبَّةٌ... لوجدَتني سَمحًا بذاك مبينَا (٥)
(١) رواه الطبري في "تفسيره" (٩/ ٢٠٣).
(٢) انظر: "التفسير البسيط" (٨/ ٦٦).
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" (٩/ ٢٠٤).
(٤) رواه الطبري في "تفسيره" (١١/ ١٣٣ - ١٣٤)، وابن أبي حاتم (٥/ ١٦٨٨) (٨٩٩٨).
(٥) في (ر): "متينا".