وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: أي: هو محفوظٌ كلُّه عند اللَّه، ويَحتمِلُ أن يكون معناه: {فِي كِتَابٍ}؛ أي: في تقديرٍ وحكم.
وقيل: هو اللَّوحُ المحفوظ.
وقيل: هو ما يُكتبُ ليلةَ القدر -أو ليلة البراءة- مِن النسخ، ويُدفَعُ إلى الملائكة (١).
و {إِلَّا} بعد {إِلَّا} ليس للاستثناء من الاستثناء (٢)، بل للجمع بمعنى الواو، كقولك: ما زيد إلَّا عند عمرٍو، إلَّا في دارِه.
وقال الحسن: إنَّما ذكرَ إثبات هذه الأشياءِ في اللَّوح المحفوظ؛ ليَعلمَ ابنُ آدمَ أنَّ عملَه أولى بالإحصاءِ؛ لأنَّه للحسابِ والجزاء (٣).
ونظيرُ قوله: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} قولُه: {إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} فاطر: ٣٨، وكذا قوله: {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الزمر: ٦٣، ومَن عنده المفاتحُ فله الخزائنُ، وله الملكُ والعِلْمُ والتَّصرُّفُ.
وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ}: وعندَك مفاتِحُ الغيب، فمَنْ آمنَ بغيبِه، أسبلَ اللَّهُ السِّترَ على عيبِه (٤).
* * *
(٦٠) - {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٤/ ١٠٠ - ١٠١).
(٢) قوله: "من الاستثناء" من (ر).
(٣) انظر: "التفسير البسيط" للواحدي (٨/ ١٩٣).
(٤) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (١/ ٤٧٩).