وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: كما أنَّ للنُّفوسِ والأبشارِ مُستَقرًّا ومستودَعًا، فإنَّ للضَّمائرِ والأسرارِ مستقرًّا ومستودعًا، فمِن عبْدٍ مستقَرُّ قلبِه أوطانُ الشَّهواتِ والمُنى، ومِن عبدٍ مستقرُّهُ مربعُ الزُّهدِ والتُّقى، ومن عبدٍ مستقرُّهُ حيث لا مسكنَ ولا مثوى وراءَ الورى (١).
* * *
(٩٩) - {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.
وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ} نقلَ الكلامَ مِن المغايبةِ إلى الإخبار عن نفسِه جمعًا بخطاب الملوك، وهو متعارفُ أهلِ اللِّسان. قوله: {بِهِ} أي بالماء وهو المطر.
وقوله تعالى: {نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ}؛ يعني: نباتَ ما تُنبِتُهُ الأرضُ مِن كلِّ شيءٍ.
وقيل: أي: غذاءَ كلِّ شيءٍ، وما يَنبتُ به ويَنمو كلُّ شيءٍ.
وقوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ}؛ أي: مِن النَّباتِ {خَضِرًا}؛ أي: زرعًا أخضرَ أوَّل ما يَظهر.
وقوله تعالى: {نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا}؛ أي: مِن الزَّرعِ الأخضر {حَبًّا}؛ أي: حباتٍ كثيرةً متراكبةً بعضُها فوق بعضٍ؛ لالتفافها، والحَبُّ جمعُ حبَّة، وإنَّما لم يقل: متراكبة؛ لظاهرِ اللَّفظِ الذي هو للواحدِ في الوضع.
(١) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (١/ ٤٩١).