وقال في قوله: {حَبًّا مُتَرَاكِبًا}: هو إخبارٌ عن لطفِه وصنعِه؛ إذ ليس في وِسع البشرِ إخراجُه وتركيبُهُ على ذلك الوجه، وفيه إثباتُ إنشاءِ الشَّيء لا مِن شيء؛ لأنَّه أخرجَ مِن الحبَّةِ والنَّواةِ نباتًا أخضر، ولم يكن في الأصل ذلك.
وفيه نقضُ قولِ الدَّهريَّةِ في كون الأشياءِ في شيءٍ واحد؛ إذ لا يَحتمِلُ كونُ عشرةِ آلاف نواةٍ، أو حبَّةٍ في نواة، أو حبَّةٍ واحدةٍ، أو الشجرةِ بطولها: في النَّواة.
وقال في قوله: {مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ}: لمَّا كان التُّرابُ والماءُ واحدًا، واختلفَ الخارجُ، عُلِمَ أنَّه بتدبيرِ اللَّه وتخليقِه، لا بالماءِ والتُّراب، وفي إخراجِ الثِّمارِ والحبوب على التَّعاقُب، وإنزالِ المطرِ على التَّفاريق، قطراتٍ لا تَختلِطُ مع كثرتها وازدحامِها وبعدها؛ ما لو اجتمعَ الخلائقُ على حفظه ما قدروا عليه = دلالةٌ أنَّه بمدبِّرٍ عليم حكيمٍ. وكذلك انتقالُ الثَّمرِ مِن حالٍ إلى حالٍ إلى ينعها، على وجؤِ مختلفةٍ؛ دليلُ ما قلنا (١).
وقال الإمامُ القشيريُّ رحمه اللَّه: تَجانسَت أجزاءُ الأرضِ، وتوافقَت أقطارُ الكون، وتباينَ النَّباتُ في الطَّعم واللَّون، فدلَّ كل مخلوقٍ بلسانٍ فصيحٍ، وبيانٍ صريح، أنَّه لا يَستقِلُّ بنفسِه، وأنَّه موجودٌ بإيجادِ ربِّه (٢).
* * *
(١٠٠) - {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ}.
وقوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ}؛ أي: جعلَ المشركون الجنَّ شركاءَ للَّه، وهم الذين قالوا: بيزدان وأهرمن.
(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٤/ ١٨٦ - ١٨٩).
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (١/ ٤٩٢).