على قوله: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ}، والباقون بياء المغايبة؛ ردًّا على الآية التي قبلها (١).
ومعناه عند الإمام أبي منصورٍ رحمه اللَّه على وجهين:
أحدهما: {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ} عن أعمالِهم التي يَعملونها مِن المعصية، ولكن يؤخِّرُ تَعذيبَهم؛ رحمةً منه، كما قال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ} الآية إبراهيم: ٤٢.
والثاني: أنه على علمٍ بأعمالِهم خلقَهم، لا عن جهلٍ؛ لما أنَّ ضررَ أعمالِهم يَرجِعُ إليهم، لا إليه (٢).
* * *
(١٣٣) - {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ}.
وقوله تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ} فلا يَنتفِعُ بالطَّاعةِ، ولا يَتضرَّرُ بالمعصية، {ذُو الرَّحْمَةِ} فلا يُعاجِل بالعقوبة.
وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: {الْغَنِيُّ} يُشيرُ إلى عزِّه، و {ذُو الرَّحْمَةِ} يُشيرُ إلى لطفه، أخبرَ بقوله: {الْغَنِيُّ} عن جلالِه، وبقوله: {ذُو الرَّحْمَةِ} عن أفضالِه، فبجلالِه يُكاشِفُهم فيُفنيهم، وبأفضالِه يُلاطِفُهم فيحييهم، وسماعُ غِناه يُوجِبُ محوَهم، وسماعُ رحمتِه يُوجِبُ صحوَهم، فهم في سماعِ هذه الآية بين فناءٍ وبقاء، واصطلامٍ وإكرام، وتذويبٍ وتقريب، واحتياجٍ وارتياح (٣).
(١) انظر: "السبعة" (ص: ٢٦٩)، و"التيسير" (ص: ١٠٧).
(٢) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٤/ ٢٦٢ - ٢٦٣).
(٣) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (١/ ٥٠٤).