فما أَلومُ البِيضَ أنْ لا تَسْخَرا... إذا رأَيْنَ الشَّمط القَفَنْدرا (١)
وقيل: إن في المنع طرفًا من القول فكأنه قال: مَن قال لك: لا تسجد؟ وعلى هذا معنى هذا البيت؛ لأن اللوم قولٌ.
وقوله تعالى: {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}: أي: النار لها علوٌّ والطينُ له هبوطٌ، فلي عليه العلوُّ.
تَوهَّم عدوُّ اللَّه أن الجواهر تتفاضلُ بأعيانها، ولم يعلم أن اللَّه تعالى هو الذي يفضِّل ما يشاء بما يشاء، فهو المالك والملك، وله الخلقُ والأمر، ولذلك قال ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما: أوَّلُ مَن قاس إبليس (٢)، وكفَر بقياسه، وذلك أنه أخطأ حيث فضَّل النارَ على الطين، والطينُ أفضل منها بوجوه:
منها: أن الطين جامعٌ للأشياء والنارَ مفرِّقةٌ لها.
ومنها: أن التراب يكون في الجنة، فقد روي أن ترابها مسكٌ أَذْفَرُ (٣)، وليس في الجنة نار.
ومنها: أن النار يعذَّب بها أعداء اللَّه تعالى ولا تعذيبَ بالتراب.
ومنها: أن النار لا بد لها من مكانٍ، ومكانُها التراب، والتراب لا حاجةَ له إلى النار.
(١) انظر: "ديوان أبي النجم" (١٧٩)، و"تفسير الطبري" (١/ ١٩١).
(٢) انظر: "تفسير الثعلبي" (٤/ ٢١٩)، و"الوسيط" للواحدي (٢/ ٣٥٣)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٢١٧). ورواه الطبري في "تفسيره" (١٠/ ٨٧) عن الحسن وابن سيرين.
(٣) رواه البخاري (٣٤٩)، ومسلم (١٦٣)، من حديث أبي ذر رضي اللَّه عنه بلفظ: "ترابها المسك". وروى البخاري (٦٥٨١) من حديث أنس رضي اللَّه عنه عن النبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "بَيْنَما أنا أسيرُ في الجنة، إذا أنا بنَهَرٍ حافَتاهُ قِبَابُ الدُّرِّ المجوَّف، قلتُ: ما هذا يا جبريلُ؟ قال: هذا الكوثرُ الذي أعطاكَ ربُّك، فإذا طِينُهُ -أو طِيبُه- مسكٌ أَذْفَرُ" شكَّ هُدْبةُ.