أي: ومَن يَخِبْ، لمَّا رأى غوايةَ نفسه جهد في إغواء غيره؛ كما قال: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} النساء: ٨٩.
وقوله تعالى: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ}: أي: في صراطك، أو: على صراطك، وهو جارٍ مجرى الظروف فجاز حذفُ الصلة فيه، وهو مجازٌ عن التعرُّض لهم للمنع، فإنَّ مَن قعد على الطريق منَعَ المارَّة عن المرورِ فيه.
وقال عكرمةُ: معناه: لأصدَّنَّهم عن دِينك دينِ (١) الإسلام (٢)، قال تعالى: {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} الزخرف: ٣٧؛ أي: عن الإسلام.
وقال ابن مسعود رضي اللَّه عنه: هو كتاب اللَّه تعالى (٣).
* * *
(١٧) - {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}.
وقوله تعالى: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ}:
ذكَر (مِن) في جهتين، و (عن) في جهتين؛ لأن في قدَّام وخَلْف معنى طلبِ النهاية، وفي اليمين والشمال الانحرافَ عن الجهة.
وقال مجاهدٌ: لآتينَّهم من حيث يُبصِرون ومن حيث لا يُبصِرون (٤).
وقيل: أي: من كلِّ جهةٍ يمكنُ الاحتيالُ عليهم بها، ولم يقل: من فوقهم؛
(١) "دين" من (ف).
(٢) لم أجده عن عكرمة، وقاله مقاتل في "تفسيره" (٢/ ٣١).
(٣) ذكره الواحدي في "البسيط" (٩/ ٥١).
(٤) رواه الطبري في "تفسيره" (١٠/ ١٠٠).