أو كرهًا بالإجبار لن يُتقبل منكم؛ لأنكم كنتم في القِدَم (١) فاسقين منافقين خارجين عن الطاعة والإخلاص، وإنما يتقبل اللَّه من المتقين، وطوعُ المنافق لا يكون لرجاء ثواب اللَّه ولطلب رضا اللَّه، لكن ما يفعله بطبعه فهو من طوعه، وكرهُه ما يُطلب منه ويُجبر عليه.
وقال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: نزلت في جَدِّ بن قيس حيث قال: {ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي} وأُعِيْنُك بمالي، فنزلت هذه الآية (٢).
وقال القشيريُّ رحمه اللَّه: المردود لا يُقبل منه توسُّلٌ، ولا يغيِّر حكمَ شقاوته تكلُّفٌ ولا تعمُّل.
وقيل: تقرُّبُ العدو يُوجب زيادة المقت، وتحبُّبُ (٣) الحبيب يُوجب زيادةَ العطف، قال اللَّه تعالى: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} الفرقان: ٧٠ (٤).
* * *
(٥٤) - {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ}.
وقوله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ}: (مَنَع) يتعدَّى إلى مفعولين، تقول: منعتُ زيدًا مرادَه، وها هنا أحدُ المفعولين: هم، والثاني: {أَنْ تُقْبَلَ}
(١) في (ف): "القديم".
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (١١/ ٤٩٩) من طريق ابن جريج عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما، وهو منقطع.
(٣) في (ر) و (ف): "وتحية"، والمثبت من (أ) و"اللطائف".
(٤) انظر: "لطائف الإشارات" (٢/ ٣٤).