فلان؛ أي: تكلَّمت بالعذر، فعذرني -بالتخفيف- أي: قَبِل عذري، وأَعْذرْتُ (١) إليه؛ أي: أقصتُ العذرَ الصحيح على أمري، وعذَّرتُ -بالتشديد- أي: أتيتُ بما هو صورةُ العذر ولا عذرَ لي فيه حقيقةً.
والآية قرئت بقراءتين: بالتخفيف وهي قراءةُ ابن عباس (٢)، وبالتشديد وهي قراءة سائر الناس.
وبالتخفيف إخبارٌ عن قوم أتوا بالعذر الصحيح فعُذِروا، وبالتشديد إخبارٌ عن أعراب تكلَّموا بالعذر ولا عذر لهم فلم يُعذَروا، وفي الآية ذمٌّ لهم.
وجملتُه: أن نزول السورة في الجهاد، وصار الناس على أصناف:
منافقو أهل المدينة: وقد ذكرهم في قوله: {اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ}.
والمخلصون: وذكرهم في قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ}.
وأعراب أهل البادية مَن لهم عذر حقيقةً أو لا عذرَ لهم، وذكرهم اللَّه في قوله: {وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ} من الأعراب على القراءتين.
وآخرون من الأعراب تخلَّفوا من غيرِ استئذانٍ، وذكرهم في قوله تعالى: {وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَه}؛ أي: أظهروا الإيمان باللَّه ورسوله وهم كافرون في الباطن، فقد كذَبوا بذلك اللَّه ورسولَه.
وقيل إنهم بايعوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على الجهاد ثم تخلَّفوا عن هذه الغزوة، فقد كذَبوا اللَّه ورسوله فيما قالوا في تلك البيعة.
(١) في (أ) و (ف): "واعتذرت"، والصواب المثبت.
(٢) كما في "المختصر في شواذ القراءات" (ص: ٥٩)، وهي قراءة يعقوب من العشرة كما في "النشر" (٢/ ٢٨٠)، ورواية عن الكسائي -في غير المشهور عنه- كما في "جامع البيان" للداني (٢/ ١٨٢).