بسببِ أنه كان وعَد لأبيه لقوله: {سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي} مريم: ٤٧ فوفَى بذلك الوعد وسأل اللَّه أن يغفر له.
ومعناه: أن يهديه للإسلام ويجعلَه أهلًا للمغفرة ويغفرَ له بعد إسلامه، وهو كقول هود لقومه: {فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} هود: ٦١ وكقول نوح عليه السلام: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} نوح: ١٠، ليس هذا بأمرٍ لهم أن يقولوا: نستغفر اللَّه، ولكن هذا أمرٌ بالإسلام ليصيروا أهلًا للمغفرة لهم.
وكذا قولُ إبراهيم عليه السلام: {وَاغْفِرْ لِأَبِي} الشعراء: ٨٦؛ أي: أعطهِ السبب الذي تَغفرُ له به، وهو التوحيد.
وعلى هذا القولِ يكون قولُه: {وَعَدَهَا} خبرًا عن فعل إبراهيم، وقولُه تعالى: {إِيَّاهُ} كنايةً عن أبيه.
وقال بعض المفسرين: بل قوله: (وَعَد) خبرٌ عن فعل والدِ إبراهيم أنه وعد إبراهيم، وقوله: {إِيَّاهُ} كنايةٌ عن إبراهيم، وتلك المواعَدةُ أنه كان قال لإبراهيم: إني أُسلم وقتَ كذا، فكان يستغفر له، ومعنى استغفاره (١): سؤالُه المغفرةَ له بعد ما أسلم، أو سؤالُه إعطاءَ الإسلام الذي به يغفر له.
وقيل: كانت المواعدةُ مؤقتةً، فانتهى إبراهيم إلى ذلك الوقت فظن أنه أسلم فاستغفر له مطلقًا، ولذلك قال: {إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ} الشعراء: ٨٦؛ أي: قبل هذا؛ كما قال: {سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} الأنبياء: ٨٧؛ أي: قبل التوبة، فلما ظهر أنه لم يُسلم تبرَّأ منه.
وعلى القول الأول: {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ}: أي: لمَّا مات على الكفر تبرَّأ منه، وهذه الجملة حاصلُ كلام الإمام أبي منصور رحمه اللَّه.
(١) في (أ): "استغفار"، وفي (ف): "الاستغفار".